عادة كل الدول المتقدمة سياسيا لديها حزبان رئيسيان يتنافسان لنيل الأغلبية البرلمانية أو كرسي الرئاسة أو غيرها من المقاعد السياسية في الدولة وهذا يعطي للمرشح قوة للفعل وقدرة على العمل , فمن يظن أن المرشح المستقل أفضل فهو مخطئ , الأفضل هو المرشح المرتبط بقاعدة مدنية ممتدة ,
ولكن المشكلة في الوطن العربي أننا لا نملك هذه القواعد المدنية ,
فلا نجد إلا أحزاب التيار الإسلامي ( مع شديد احترامي لها ) ولكنها متهمة بتسخير الدين في السياسة وليس تسخير السياسة للدين ,
حزب الأخوان المسلمين أو حزب السلفيين في مصر , مع أنهم استلموا كرسي الأغلبية في مجلس الشعب المصري , ولكنهم لم يتمكنوا من قياده المجلس, وحزب السلفيين لم نجد له بصمة نعرفه بها . وأظن ان السبب هو عدم وجود حزب معارض قوي داخل المجلس. وقديما قالوا بضدها تتمايز الأشياء .
ليس هذا موضوعنا الرئيس , موضوعنا أننا لا نجد أحزاب أخرى لها القدرة على التعبئة الجماهيرية , بل وحتى أحزاب المعارضة التي كنا نأمل أن تثري الحياة السياسية في مصر اختفت من الساحة الحقيقية , وأصبحت أعمالها بروتوكولية ودعائية ,فأين أل 120 حزب التي تم تسجيلها , وأين حزب الوفد وغيره ,شبه مختفية إلا في طيات خبر هنا وهناك .
هذا سيعيدنا للمربع الأول , حيث أن الدكتاتورية هي عمل فردي وبعد توليه السلطة يجمع أعوان له من مطبلين وعاملين ومنتفعين وكتاب ومنظرين ,
لذا أنا أؤيد قيام أحزاب حقيقية فاعلة مرتبطة بالمجتمع , وليست أحزاب كرتونية أو أحزاب ورقية تخفي صفة المستقلين ,
قرأت لبعض الأخوة تخوفه من تخفي الأحزاب خلف المستقلين , بينما الخطر الحقيقي هو تخفي المستقلين بأسماء أحزاب .
يجب تشجيع قيام أحزاب . ويجب أن يعمل الشباب على توحيد الجهود تحت أي مسمى , فهذه هي الضمانة الحقيقة لعدم عودة الدكتاتورية ,
فما دام التنافس الحزبي قائما , وما دام هنالك حزب حاكم وحزب معارض , فلا خوف من عودة الدكتاتورية .
أما إذا كان العمل السياسي يعتمد على الفردية , فما أسهل نخفي الدكتاتورية برداء الديمقراطية وضربها في مقتل , ويصبح تسميه نظام الحكم حينها " ديكتاقراطيه " وهذا ما كان يحدث في مصر وتونس وسيطرة مسمى حزب ,ليس حزبا بل مجموعة من المنتفعين والمطبلين , وغياب معارضة حقيقية .
بل والمضحك إن الكثير من الدول التي انفرد الحزب الشيوعي بالحكم فيها بنظام دكتاتوري تسلطي كانت أو ما زالت تسمى نفسها "بجمهورية الموز الديمقراطية ", أو جمهورية الموز الشعبية , بل وبلغ أن تسمت الكثير منها بجمهوريه الموز الشعبية الديمقراطية , وهي ابعد ما تكون عنها , وابعد ما تكون عن شعبيتها .
من أراد بقاء الديمقراطية والمحافظة عليها , فأولى آلياتها هو العمل المدني المنظم داخل جمعيات أو نقابات أو أحزاب , وأن يكون لها القدرة والعمق الاجتماعي .
وللأسف أرى هذا مختفيا هذه الأيام , وأرى أن هنالك احتمال لتوجه بلاد الربيع العربي إلي نظام الدكتاقراطية .
يل وأسمع نداءات من الكثير بتجنب الأحزاب السياسية والابتعاد عن العمل الحزبي , وهذا خطأ كبير . خطأ لو لم يعالج فستدفع الأمة الثمن غاليا .
كما أرى عزوفا عن العمل الجماعي , واتجاها إلى العمل الفردي , ويعاني من هذه الظاهرة الكثير من المخلصين ,حيث لا يجدون من يقف معهم ويساعدهم ,فمن يعمل يريد أن يكون رئيسا , ومن يتحرك يرغب أن يكون في الواجهة ,ولكن بهذا لن تبنى الأمة ولن يتطور الوطن .
عليكم بالعمل الجماعي , وتشجيعه , وتدارك أخطاءه , هذا إذا أردنا الديمقراطية حقا , وإلا فهي الديكتاقراطية بلا شك أو ريب .
وعلى طريق الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان
أحد أجمل قوانين مورفي -وهي قوانين ساخرة ذات نظرة سوداوية- يقول: إن الدول التي يحتوي اسمها على كلمة الديمقراطية ليست كذلك "الديمقراطية غير قابلة للتنظير"!!
ردحذف