الأربعاء، 11 سبتمبر 2024

محمول ويترفس

 كانت الأجواء في قريتنا تسودها المحبة والتعاون. 

كان الجميع يعرف الجميع، وكانوا يتعاملون كعائلة واحدة. 

الحياة بسيطة، مفعمة بالسلام والسعادة. 

ولكن تلك الأوقات الجميلة لم تدم طويلاً، فقد توفي كبير إحدى العائلات. 

تولى ابنه "جميل" شؤون العائلة بعد وفاة والده، وقد كان لهذا الانتقال أثر غير متوقع على القرية.

بدأ جميل في توجيه الشتائم لي وللعديد من كبار السن الذين كانوا يديرون شؤون عائلاتهم بحكمة، وكان يستمتع بنشر الأكاذيب حولهم وقصص كاذبة منمقة وشعارات رنانة زائفة. 

ومع مرور الزمن، اجتمع حوله الكثير من أبناء العائلات الأخرى، متعاطفين معه، وبعد حين، أصبح لجيل الشباب الذي يدير العائلات تأثير سلبي على الروابط القديمة التي كانت تجمعنا.

لم يعد الأمر مقتصرًا على الشتائم الموجهة لي فقط، بل اتسعت دائرة الأذى لتشمل كل حكماء الفرية الذين أثروا في حياتنا بشكل إيجابي. 

ومع كل وفاة جديدة لكبير عائلة أو عجزه عن العمل، كان يُعيّن أحد أبنائهم لإدارة شؤون عائلتهم. 

وهكذا، بدأ الجيل الجديد من العائلات يفتقر إلى الحكمة والخبرة، مما تسبب بانخفاض مستوى حياة العائلات التي يديرها هؤلاء الشباب.

بدلاً من أن يحافظوا على اقتصاد تلك العائلات، أصبحوا يعتمدون على ما تعطيه العائلات التي لا تزال يديرها الكبار. 

وعلى الرغم من نجاحنا في تقديم الدعم للآخرين، إلا أن الشتائم لم تتوقف. 

لقد تصور هؤلاء الشباب أنهم أفضل منا، لكنهم أصبحوا يعتمدون على المعونة التي نقدمها لهم لتلبية احتياجاتهم.

ورغم ذلك، حافظنا نحن والعائلات الأخرى التي لا تزال يديرها الكبار على عادات المساعدة، كنا نقدم لهم العون والمساعدة في أوقات الشدة. 

كنا نرى كيف أن أيديهم تمتد إلينا لتطلب العون لسداد فواتير الكهرباء أو توصيل المياه أو حتى ترميم بيوتهم. 

كان الواقع مريرًا، حيث كانت هناك فجوة بين الجيلين، المليء بالأحقاد والشتائم والجحود.

وجدت نفسي في حيرة، أتساءل: هل يجب علينا أن نوقف مساعدتهم حتى يتوقفوا عن الشتم والإساءة؟ 

أم نمنع أبناءهم من العمل لدينا، ليكونوا عونًا لأسرهم التي ترفض الاعتراف بما تقدمه لهم العائلات الكبرى؟ 

أم أن الواجب الإنساني يجبرنا على الاستمرار في دعمهم، رغم كل ما يتعرض له كبارنا من أذى؟

هكذا كانت القرية، بين ماضي ملؤه الحب والوئام، وحاضر يعكس انقسامات وأحقاد متنامية. 

وبينما أواصل التفكير في قرارنا، أستمد قوتي من الأمل في أن تعود الأيام الهادئة، يوماً ما.

صالح بن عبدالله السليمان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام