أحمد الله على نعمة الإنترنت , وعلى نعمة سرعة التواصل بين الكاتب والقارئ , ففي لحظات نقرأ ردود فعل القراء نحو المقال الذي كتب , ونعرف كيف تلقاه قرائك وكيف فهموه , وما هي وجهة النظر المخالفة لما كتبت , وهذه نعمة لم يكن يحظي بها من سبقنا , ولا يحظى بها كتاب الصحف الورقية .
ولأهمية هذا الموضوع , حيث انه يتكلم عن حرية أساسية وحق مقدس للإنسان في الحرية في الفكر الذي يعتنقه , سأحاول هنا توضيح بعض النقاط التي استخلصتها من ردود الأخوة .
بالطبع فهم الكثير من الأخوة القراء الفكرة , رغم تطرفها في العرض , ولكن بعض الأخوة الآخرين أبدى اعتراضات عليها ,
الاعتراض الأكثر ظهورا هو نوع من عدم التفريق بين القبول "بالفكر" وبين القبول " بحرية الفكر" فالقبول بحرية الفكر لا يعني القبول بكل الأفكار المطروحة , و بعض الأفكار قد تكون سيئة جدا , وغاية في السوء , ويجب تبيان خطئها وخطرها , ولكن لا يعني هذا السماح باضطهاد من يقول بهذا الفكر جسديا أو فكريا , بل يجب أن نتركهم يخرجون ما عندهم , ونستطيع بنفس الحرية إن نرد عليهم ونبين خطأهم , أما إن أقصيناهم وأبعدناهم فإننا بهذا نسمح لهم بالعمل في الخفاء , وحينها لن نستطيع مقاومتهم والرد عليهم , والعمل في الخفاء أخطر على الأمة من العمل في العلن , فالعلن والحرية كالشمس تطهر الفكر والرأي , وتقتل كل كائن غريب .
ملخص القول , يجب التفرقة بين " تبني الفكر " وبين "الحرية الفكرية" , فإعطاء الفكر الحرية لا يعني تبني كل فكره معروضة ومطروحة . فقد نختلف معها ولكن لا نقصي ونضطهد من يختلف معنا فكريا .
اعترض البعض يقول , كيف لنا أن نقبل فكر من دمر وقتل واغتصب ؟ يجب أن نقصيه ونمنعه من إعلان فكره . وهنا لا نلاحظ أننا خلطنا بين الفكر والفعل , فالفعل يجب أن يعاقب قانونا , والفاعل يجب أن يحاكم وأن ينال جزاءه العادل , فالفعل يعاقب بفعل , ولكن الفكر لا يجب أن يعاقب بفعل , بل يجب أن يرد عليه بفكر , فكر أقوى منه , فكر مزود بالدليل والحجة والمنطق , وحين يلتقي فكران , فكر مشوه وفكر صحيح , فمن المؤكد أن الفكر الصحيح سينتصر . ولكن مواجهتنا للفكر بالفعل ( كالسجن والتعذيب والإقصاء ألقصري ) فما فرقنا واختلافنا عن الطغاة والمستبدين الذين ثارت بعض الدول عليهم , فهم آمنوا بفكر ما وأخلصوا له وأقصوا كل من خالفهم , فكل ما فعلناه هو إننا استبدلنا طاغية بطاغية آخر , ومستبد بمستبد آخر .
اعترض البعض على فكرة الحرية الفكرية , وإنها تخالف الشريعة الإسلامية , ولكن هذا الفهم منافي لواقع الحال , فسيدنا علي رضي الله عنه لم يقاتل الخوارج إلا عندما قاتلوه , وظهرت في المجتمع الإسلامي مدارس فكرية عديدة لم تقاتل ولم يقتل معتنقوها , بل جودلت في العلن , وأوقفت عند حدودها , والكثير منها اختفى , والكثير منها أصبح رهين القراطيس والورق ولم تنتقل إلى أن تكون بديل عن الفكر الإسلامي . ونرى أن في تاريخنا لم يقم الفكر الإسلامي أبدا باضطهاد الفكر , ولكن دائما كان العكس هو الصحيح , فحوادث محنة خلق القرآن الكريم , وسيطرة بعض الفرق المنتسبة للإسلام على الأمور دائما ما تتسبب في حوادث القتل والاضطهاد , لأنها تشعر بالضعف أمام التيار الإسلامي القوي .
اكرر قولي الذي اردده دائما , أن السماح والقبول باضطهاد أي فكر أو رأي مخالف لنا , يعطي الحق للآخرين باضطهادنا نحن . وفي الوقت الذي نسمح بإقصاء من يحمل فكر مخالف فنحن نسمح بإقصائنا ,
ألسنا نكرر خطأ الطغاة ؟ أليس هذا نفس ما نعامل به الفكر الذي ثار الثوار عليه ؟ فهم ثاروا على الإقصاء وطالبوا بالحرية , ولذا يجب علينا أن نلتزم بما ثرنا من أجله , يجب أن نلتزم بالحرية الفكرية للجميع , وان للجميع مكان تحت الشمس ,
لا أقول نسامح من أجرم وقتل وأغتصب , لا أقول نعطيهم الحرية ليفعلوا هذا مرة أخرى , بل يجب أن تكون في القانون والدستور ما يعاقب من فعل هذا , ولكن لا نعاقب الفكر نفسه , لا نعاقب من لم يقتل أو يغتصب أو يسرق , لا نعاقب من لم يقم بأي فعل مشين لأنه فقط يؤمن بفكر يخالف ما نحن عليه . فيكون عقابنا للفكر وليس للفعل .
أن الحرية الفكرية هي ما يعطي الأمم القوة والرقي , فأحادية الرأي , هي الطريق إلى الظلم والاستبداد , ولا أظن أن أي فكر يحمل الخطر على الأمة مثل الفكر ألإقصائي , الفكر الذي يلغي ما عداه , ويحتكر المشهد كاملا له , ويصبح هو الممثل الوحيد على المسرح .
ولهذا سأبقى أدافع عن الحرية الفكرية للجميع , لمن اتفق معي ولمن خالفني وحتى لمن كان على نقيض ما أؤمن به , ما دام هو فكر ليس إقصائي , يسمح للكل أن يعبر عن فكره . حتى لا أقول يوما ما , أكلت يوم أكل الثور الأبيض .
وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام