الأحد، 22 يناير 2012

حادثة بنغازي ليبيا ومن الملام فيها ؟


 توالت علي رسائل الأخوان تسألني عن رأيي في ما حدث في بنغازي , حيث هاجم مجموعة من الشباب مقر المجلس الوطني الانتقالي .
والله إن قلبي ليتقطع وان عيني لتدمع , وأنا أرى مثل هذه الحوادث , ولكنها حوادث يجب أن لا تؤخذ باستخفاف , بل يجب تناولها بتحليل عميق .
يجب أن لا يؤخذ هذا الحدث بمعزل عن الحوادث الأخرى وعن المحيط العام في ليبيا كلها وليس بنغازي لوحدها . فحالة من السخط العام على الحكومة وعلى المجلس تعصف في ليبيا , سخط على عدم الشفافية , وعلى بعض الأعضاء والشخصيات التي كانت تساند نظام القذافي حتى آخر لحظات , وأعضاء آخرين  ممن  حصلوا على جوائز ومخصصات وتولوا مناصب في زمن القذافي  أصبح هؤلاء من رجالات ليبيا الثورة .   بل حتى بعض ممن كان يعتبر من ثوار 17 فبراير , تغيرت وجهته , وبدل أن تصبح ليبيا همه الأول والأخير , أصبح الكسب والغنيمة همه الأول .  هدر المال العام , وسوء استخدامه , مشكلة الجرحى الليبيين وسوء التعامل مع هذه المشكلة .

بل وبلغ أن يرى الليبيون بعض من كان يساند القذافي ويقف معه يذهب إلى الخارج لعلاج أسنانه أو لمعالجة مشكلة الإنجاب والعقم , ويرون بعض أباء وأمهات  أفراد الكتائب يذهبون للحج كآباء شهداء . فكيف لا يحنقون ويشعرون بالغضب ؟
كل هذا إذا صاحبه إعلام سيئ , والمقصود بالأعلام السيئ هنا ليس الأعلام سيئ النية والهدف , ولكن إعلام لا يستطيع تلمس الحاجات الحقيقية للمواطن وينقلها بشفافية , ولا يستطيع أن يضع رؤيته للمشاكل أمام الرأي العام وطرق حلها ,  سواء عدم القدرة بسبب نقص الكفاءة أو بسبب ضغوط مالية أو معنوية أو أدبية.
ووقع المسئولون الليبيون في عصر الثورة بنفس الخطأ الذي وقع به القذافي ونظامه . حيث إنهم لم يقدروا الواقع تقديرا سليما . بل تساهلوا مع بعضهم البعض , وتناسوا محاسبة المخطئ , بحجة أنها فترة انتقالية ,  ومدة محدودة وسيسكت الشعب عن أي أخطاء قد تقع  . وان لهم رصيد عند الشعب الليبي وهم يستهلكون جزء من رصيد المحبة والاحترام لدورهم في الثورة .
ولكن الشعب مل من المواعيد التي لا تصدق , ومن الوعود التي لا تتحقق , ومن التسويف وإصلاح الخطأ بخطأ مثله أو أكبر منه .
قلت سابقا أن الشعب الليبي مستعد للصبر ولتحمل كل الظروف , ولكن بشرط أن يحصل على الأمان , وان يكون هنالك اطمئنان ان الوعود ستتحقق .

ورغم مرور حوالي ستة أشهر على تحرير طرابلس , لازال الشعب يرى أن الوعود التي سمعها لم تتحقق , وحتى انه يشك أن  هنالك إمكانية لتحقيقها .

بالطبع , المجلس الوطني الانتقالي هو سفينة النجاة في  هذا الموج المتلاطم  من المشاكل , وكم كنت أود أن لا يقحم المجلس الوطني الانتقالي نفسه في شؤون الإدارة التنفيذية , وأن يبقى كسلطة رقابة وسلطة تشريعية للبلاد خلال هذه الفترة , ولكننا ما زلنا نرى أن تعيين المسئولين التنفيذيين ورؤساء الهيئات يتم عن طريق المجلس الوطني الانتقالي , وهكذا يصبح من عين المسئول مسئول عنه وعن نجاحه وفشله مسئولة تضامنية .

المجلس أعترف انه مؤقت , بينما نسمع عن اتفاقات مع الدول , وهذه الاتفاقات ولو كانت لمصلحة ليبيا ولكنها جعلت الناس يشكون إن المجلس باق , وإلا لماذا يتفق ويربط الحكومة القادمة باتفاقات , ويسمعونه يصرح بالموافقة على إجراءات تعاون مع دول بينما هو يعلن أن هذا ليس من حق المجلس بل من حق الحكومة القادمة المنتخبة .

الشعب الآن لا يحس بالأمان , ولا يثق بالوعود , والسلاح منتشر , والأمن غائب , وهذه وصفة للخراب والدمار والفوضى .

أتمنى أن يعي المجلس الانتقالي هذا الدرس , وأن يستعيد مكانه الحقيقي كسلطة للرقابة , وكهيئة تشريعية مؤقتة , وان يضم أطياف المجتمع , وأن يزيل كل من لا يحظى برضا  الشعب الليبي , وأن يزيل كل مستنفع من الثورة حتى ولو كان ثائرا أو معارضا سابقا لنظام القذافي .

كم أتمنى أن نرى الشعب الليبي يعود لاحترام وتقدير المجلس الوطني الانتقالي , فهو والله من أهم عوامل الاستقرار في ليبيا , وأرى أن كل من يحاول إسقاط المجلس فانه يغامر بمستقبل البلد .
ولكني أعيب على المجلس انه يعطي لهؤلاء الأشخاص السلاح الذي يستطيعون أن يحاربوه به .

بالطبع هؤلاء الأشخاص فيهم الوطني الحر , من يحب ليبيا ويفكر في مصلحتها أولا , وفيهم من يفكر في مصلحته هو , وفيهم مختلف الأصناف . من الطابور الخامس ومن المتسلقين . حيث ان بعض الأخوة اظهروا صورا لشخص يحمل قنبلة مما يسمونها ( رمانه ) ولكن الحقيقة إن هذا فردا أو اثنين أو عشرة , كانوا وسط الكثير , فهل نتهم الكثير بأنهم مندسون وطابور خامس ؟
وأنا  لا ألومهم بقدر ما ألوم المجلس الوطني الانتقالي , لأنه لم يعطي الليبيين الشعور بالأمان والاطمئنان , وأتمنى أن يكون ما حدث في بنغازي جرس إنذار يعي بعدها دوره الحقيقي , وأظن أن استقالة البطل عبدا لحفيظ غوقة ( نعم أسميه بطلا , شاء من شاء وأبى من أبى ) الذي كان مع الثورة في أولى أيامها , وتعرض للكثير وللكثير , ولكن نقول له كفيت ووفيت , ولن تنسى لك ليبيا دورك , هي خطوة في الطريق الصحيح .
وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان




هناك تعليق واحد:

  1. سلم ابائنا الحكم لشخص من ... ليبيا فهل سيتكرر السيناريو مرة اخرى ويحكمنا اناس من ...ليبيا؟؟
    الاجابة في مقدمة ابن خلدون.

    ردحذف

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام