الخميس، 12 يناير 2012

الديمقراطية مرة أخرى



ما زالت تداعيات مقالاتي عن الديمقراطية والإسلام  تثبت إن هناك اختلال في المفهوم , في مفهوم الحرية وفي مفهوم الديمقراطية , وحتى في المفهوم الإسلامي .
ويظهر هذا الخلط  في المفاهيم في احد التعليقات التي نشرت على احد الصحف الإلكترونية , وحتى لا أتجنى على الأخ كاتب التعليق سأنقله لكم حرفيا .
"" ماذا يعني حكم الشعب ؟ إن الدستور يوضع بتصويت الشعب أي للشعب أن يحلل الحرام أو يحرم الحلال و للشعب أن يختار تحكيم الشريعة الإسلامية أو يرفضها وكل ذلك برأي الغالبية وليس الإجماع اذا حكم الشعب يجعل سلطة الشعب فوق الحكم بما أنزل الله فهل يجوز أن يصوت الشعب على تحكيم الشريعة؟ وحتى لو اختار الشعب بالإجماع تطبيق الشريعة إذا الشريعة ستطبق لأن الشعب أراد ذلك وليس لأنها أمر واجب ومن عقيدة المسلم أفلا يخالف الإسلام أن يكون تطبيق الشريعة أمر اختياري مطروح للاستفتاء وليس أمر واجب ؟ عجبا ""

في هذا التعليق  قد يتجاوب مع العاطفة , ولكنه هل هو منطقي أم لا ؟
 لنأت على آيات الأحكام في القران الكريم , فنجد إنها قليلة جدا , والتركيز الأساسي في القران الكريم على توحيد الإلوهية وتوحيد الربوبية , ثم على العبادات , ومن ثم على الأخلاق , أما النظم فكانت عمومية ,
وهذا يذكرني بطرفة , حيث أن شخصا لا يؤمن بالقران الكريم , جاء لعالم يحاوره , فقال له إن القران ذكر الفواكه التي يعرفها العرب فقط في وقت نزوله , ولم يذكر البرتقال ولا التفاح ولا الكمثرى ولا الكيوي , فكيف يقول الله  ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) [ النحل : 89 ]  ويقول  أيضا (ما فرطنا في الكتاب من شيء) [ الأنعام : 38 ] .. جاء وهو مسرور  أنه وجد الحجة الدامغة التي تسكت كل مسلم .
فرد عليه العالم , أولا , القرآن ليس كتاب زراعة أو كتاب بستنه لكي يتكلم عن كل الفواكه والخضار بالتفصيل , ورغم ذلك فقد ذكر كل ما ذكرته في قوله تعالى (ويخلق ما لا تعلمون )[ النحل: 80].

فالقران كتاب مجمل الأحكام في أكثرها , يبين القواعد التي يجب أن يسير عليها المسلم , ومن الأمور التي لم تذكر لا في الكتاب ولا في السنة المطهر هو اختيار الحاكم وطريقة الحكم ,  وهذا مما يدخل في باب التشاور في قوله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم ) فما تراضت عليه الأمة وفيه للناس خير ولله رضي فهو الحق . فمن أراد ان يقول إن هذا النظام أو ذاك هو النظام الإسلامي , فعليه أن يأتي بالدليل , فأنا أقول إن هذا متروك للأمة .

نأتي على الأهم وهي , وهو سؤال السائل  كيف نجعل من حق الأمة أن توقف حكما من أحكام الله ؟ وفي هذا تفصيل ,
الإسلام لم يأتي ليجبر الناس عليه , وجعل من حقهم الاختيار بين الكفر والإسلام والآيات في ذلك كثيرة , ولكن  إن اختاروا الإسلام فيجب أن يطبقوه , وإن اختاروا غيره فهم المسئولون أمام الله .
في هذه النقطة الدقيقة يختلط على الكثيرون , كل إنسان له الحق أن يكون مسلما أو كافرا , فهذا الخيار هو ما يحدد اهو إلى الجنة أو النار " وهديناه النجدين " ,  فأن اختارت الأمة أن تذهب إلى النار , فهذا خيارها وهي مسئولة عنه , وكل فرد فيها  مسئول , فيقول الله سبحانه وتعالى ( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.) [يونس:99]
ولذا نجد أن الحدود والنواهي والحلال والحرام يجبر عليها المسلم ولا يجبر عليها غيره , وهذا شرع الله , ولو كان تطبيقها إلزاما على الجميع لجاءت الأدلة في ذلك ,

ويقوم بعض الباحثون بالغوص عميقا في التاريخ لكي يبحث عن تجارب الأمم الغير مسلمة ويلصق تجاربها في  المفهوم المجرد للديمقراطية , فبعضهم يسميها فلسفة وبعضهم يسميها عقيدة , بينما إذا جردناها وأخذنا مفهومها الأساسي , نجد إنها هي آلية لاختيار السلطة التنفيذية والرقابية والتشريعية , هي آلية لمنع الاستبداد والتسلط ولإبقاء الأمة بعيدة عن تكرار أخطاء وقعت فيها الإنسانية بما فيها نحن , من رق واستعباد وفساد , دون حسيب أو رقيب , بل دون القدرة على تغيير الحاكم , وإذا أحببنا تغييره فسنتعرض كما تعرض إخواننا في ليبيا وكما يتعرض إخواننا في سوريا اليوم , لأن الآلية غير متوفرة , أو معطلة .

يقول البعض إن الديمقراطية ليست مصطلح إسلامي , فأسألهم , ومتى كان المصطلح هو العائق ؟

كيف أرى أنا الديمقراطية :-
"امة مسلمة , دستورها ينص على إن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع , ويحق للمجلس النيابي تشريع ما لم يرد به نص , وحتى ما ورد به نصوص مختلفة يقوم المجلس بالمفاضلة بين النصوص , واختيار الأفضل للأمة دنيا ودين , يحق لهم الاستعانة بعلماء القانون والشريعة والفقه , ويراقبون السلطة التنفيذية ويضمنون حسن أدائها لعملها "

هكذا أراها , ومن يقول أن هذا ينافي مبدأ الشورى , فليأت بدليل , ومن يستعمل مصطلح  "أهل الحل والعقد "  فليأت بدليل إن هذا المصطلح شرعي من أساسه .

أما من يتكلم عن ضرورة البيعة , أليست الانتخابات هي البيعة العامة , يتقدم اثنان أو اكثر ويبايع الناس , ومن حصل على عدد اكبر فهو الحاكم للمدة التي اتفق عليها الناس في الدستور .
أخير , يقول أشخاص إن الشيخ الموقر فلان , أو الشيخ الفاضل فلان يقول بفساد الديمقراطية , أقول لهم مع كل تبجيل وتوقير لجميع العلماء , يجب أن نرى الأدلة لا من قالها , فالرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال , وكل يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب القبر الذي المدينة صلى الله عليه وسلم . فقول الرجال ليس بحجة , إنما الحجة في الدليل.

لا أتكلم عن تجارب اليونان والإغريق والرومان والغرب اليوم , أنا  أتكلم عن مصطلح سياسي لآلية لاختيار سياسي .
وعلى دروب العزة والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام