الجمعة، 23 ديسمبر 2011

الشعب يريد إسقاط اللصوص


كلما قرأت أخبار عن سرقات أدبية أو علمية أو نتائج أبحاث أو رسائل أكاديمية , يقوم بها أناس يحسبون على الساحة الفكرية والعلمية أو الأكاديمية في عالمنا العربي , احزن , ويصيبني الشك في إمكانية تطور مجتمعاتنا .  وفي تقدمها.

لأن الشعوب مهما ثارت , ومهما قدمت من تضحيات , تبقى بحاجة إلى الفكر , فالمفكرين والكتاب والعلماء في المجتمع بمثابة العقل المفكر , العقل الذي يسيّر المجتمع ويريه الطريقة الصحيح للتخلص من مشاكله , ويريه الطريق السليم ليتطور.
ولهذا فان الخلل في هؤلاء النخبة يشكل مصيبة كبيرة , يصعب على المجتمع أن يتخطاها ,
رحم الله شيخنا على الطنطاوي رحمه الله :
" وسرقة الكتب إحدى الثمرات المرة لهذه الحضارة الجديدة التي يسرت الوسائل ، ومهدت السبل ، لأهل الخير ولأهل الشر ، فمن لم يكن له دين يعصمه ، وخوف من الله يسدده ، أحكم السرقة حتى لا تكاد تنكشف ، وحتى أنك لو وضعت أمامك النسخة الأصلية من الكتاب والنسخة المسروقة ، لم تستطع أن تفرق بينهما ، فالورق هو الورق ، والحرف والحبر والتجليد ـ كل ذلك سواء في النسختين .
ذلك لتعلموا أنه لا حضارة ولا العلم ولا الأخلاق ، بالتي تغني عن الدين ، لأنها كلها للناس ، فإن لم ير صاحبها الناس ، اعرض عنها وتناساها، واتبع شهوته ومصلحته .
أما صاحب الدين فيعلم أنه إن خلا بنفسه ، وغلق عليه الأبواب ، وأسدل الستائر ، واستخفى من الناس ، فإنه لا يستخفي من الله ، وهو معه يسمعه ويراه ، وإن أنكر شهدت عليه يده التي اقترف بها الذنب ، ورجله التي مشى بها إليه ، وجلده الذي لا يستطيع أن يخلعه ، ويخرج منه ، كما يخرج من ثوبه ، ليلبس ثوبا غيره فلا يعرفه من يبصره " أ هـ .
ولكن لنسأل أنفسنا , لماذا يسرق العالم , أو مدعي العلم ؟ أيسرق لكي يكسب مالا ببيع الكتب ؟ أم يسرق لكي يشتهر اكثر ؟ أم لتوطيد قدمه في السلك الأكاديمي ؟
كل هذه لا تنفع , بل بالعكس , فكل ما يبنى على مثل هذا ينتهي كهباء منثورا , فلا ثمرة له , ولا نتيجة ترجى من وراءه .
 ومثل هذا السارق الذي لا يتورع عن مد يده لجهد غيره , لا يمكن أن يكون مصلحا , لأن الإصلاح يكون كما وضح لنا ربنا سبحانه وتعالى يلزمه  أن يكون المصلح مثال على ما يدعو إليه  , قال تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ "
وقال الشاعر: ‏
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها       فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويقتدي       بالقول منك وينفع التعليم

فمن يدعوا إلى محاسن الأخلاق يجب أن يجعل نفسه مثال عليها , وكحد أدنى أن لا يسقط في عمل مفضوح , بل يجب أن يحاول ستر نفسه ما استطاع إلى ذلك سبيلا , والسرقة المعلنة لا يملك أن يسترها , وهي ليست من الصغائر .
إنها ليست كسرقة طعام أو مال , بل هي سرقة مفضوحة أما اليوم أو غدا

ومن يعلم أجيال في الجامعات والكليات , يجب أن يكون مثالا على دقة العلم والحرص على أصوله , فمن يسرق أبحاث طلبته وتلاميذه , فلن يحترم علمه , ولن يحترمه طلبته , ومنها سيسقط أي إمكانية لاستفادة وطنه أو أمته منه .

سقوط هؤلاء يعني لنا انه يجب أن تقوم ثورة في نخبنا ’ تشابه ثورة شعوبنا , ثورة فكرية , نحترم فيه  فكر الآخرين , نحترم عملهم , ونسقط كل من يتجرأ على سرقة الفكر والجهد , فهي ليست مشاعا , ليست  إلا نتاج جهد إن لم نحترمه فنحن لا نحترم ما ندعو إليه , ولا نعتقد , بل يجوز فينا  وصف المنافقين اللذين يظهرون غير ما يبطنون , ويصدق فينا قول الله سبحانه وتعالى  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ .
هذه دعوة لإسقاط كل صاحب فكر يسرق , وكل عالم لا يؤتمن على بحث أو دراسة وكل دكتور في جامعة يستولي على أبحاث ورسائل طلبته , فهم لا يختلفون عن الأنظمة التي تسرق مال الوطن ,
هؤلاء يسرقون المال وهؤلاء يسرقون الفكر , وكلاهما حياة الشعوب . وسنبقى نقول الفكر يريد إسقاط اللصوص , طالما هناك لصوص

وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي .
صالح بن عبدالله السليمان

هناك تعليق واحد:

  1. هناك من يسرق بطريقة تبدو في نظرة ونظر امثاله انها شرعية الا وهي شراء البحوث . فهو يسرق لكي يضع قدمه في السلك الأكاديمي اما التوطيد فهو امر هين بعد ان تمكن و وضع قدمه فيه.

    ردحذف

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام