الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

الحميّر هو حميّرنا


عين الرضا عن كل عيب كليلة  ** وعين السخط تبدي المساويا
كنت أسمع هذا البيت من الشعر , يتردد , وكنت أظنه ينحصر في العلاقات الشخصية . ولكن تبين لي ويا للأسف , يطبق في كل حالات  الإنسان العربي , وحتى لا أتهم بالتعميم المخل , دعني أقول إن الكثير والكثير ممن يتعرضون للأمور العامة وينتقدون الساسة وأهل الفكر والرأي , مصابون بهذا الداء الكبير .

من نحب منهم , فهو مقبول الرأي ومقبول الفعل ومغفور الخطأ , بينما المكروه فهو مرفوض الرأي مرفوض الفعل وخطأه غير مغفور
هذه حقيقة لا تنكر , فلقد شاهدتها ومررت بها كتجربة شخصية , ولنضرب مثال .
عندما انتقد تصرفا ما لشخص , وبعد أن أكون قد  كتبت نصف المقال في ذكر محاسنه ,للأسف تجد الكثير ممن يخالفون هذا الشخص , ينطلقون في سبي , وإني أحسّن وابيّض هذا الشخص  وأطبل له , أما المؤيدون له , فيتركون معظم المقال , ويبدءون في سبي أيضا فكيف أتجرأ على نقد محبوبهم ,
بينما يرى الكثير ممن ليس لديه فكره مسبقة ان المقال متوازن , ذكرت فيه الحقائق من كلا الاتجاهين .
يرى الأول اني أطبل لفلان عندما اذكر محاسنه ويرى الأخر إني أطبل للآخر عندما أذكر سيئة له .

لماذا لا نتعود أن نتقبل مساوئ من نحترم أو لنقل نحب  من الساسة ؟

لماذا إذا كرهنا فأننا نكره بحقد , وإذا أحببنا فأننا نحب بتقديس , لا اعتدال لدينا في الحب والكره ؟
لماذا نخلط الحب والكره والمشاعر الشخصية في السياسة والرأي ؟
هنا نأتي للمشكلة الثانية , وهي أخطر من الأولى , ففي عقلنا العربي أصبح قبول سياسي ما بمثابة حب لشخصه وليس لفكره , نتعلق بالشخص , ثم تبدأ عملية التحويل إلى الرمز ثم التأليه ثم ... تعرفون البقية التي طالما عانينا منها.
وعندما نكره سياسي ما أو رجل دولة , فنحوله إلى شيطانا , نكرهه ونحاربه , وحتى إن صدق في فكرة  أو فعل أو نقطة ما , نكرر قول " صدقك وهو كذوب " أو نبحث في نواياه , ونحاكم فكره على ما نظن إنها نواياه .

هذا النوع من الحدية إما إلى أقصى اليمين أو إلى أقصى اليسار في فكرنا وتصرفنا حيال الأمور العامة يجعلنا نفقد عامل هام من عوامل رقي المجتمعات وتطورها . وصدق قول حافظ إبراهيم,
فتوسطوا في الحالتين وأنصفوا .. فالشر في التقييد والإطلاق
إذا كنا نظن أن دول العالم المتقدمة وصلت لهذه المرحلة بقيادة " س" من الناس أو " ص"  . فهذا خطا , فلقد وصلت إلى هذه المرحلة بتلاقح الأفكار وانتخاب الجيد ,أفكار اليمين وأفكار اليسار , أفكار الحزب الجمهوري وأفكار الحزب الديمقراطي , أفكار حزب المحافظين وأفكار حزب العمال , حتى في إسرائيل , الدولة اللقيطة , تأسست في الأمس , يوجد تلاقح بين أفكار حزب العمل والليكود و كاديما , وينتخب الأنفع والأصلح للدولة وسياستها , وخطتها التنموية .
هذا التلاقح ينتج أفكار جديدة , ويبنى المجتمع على كم كبير من الموروث الفكري الجماعي , قد نراه متناقضا في أحيان , ولكنه هو الطريق الوحيد لمعرفة الطريق الصحيح .
يجب ان نقلع كلنا عن " حب " الساسة ورجال الدولة , وان نراهم ليس كأشخاص , بل كأفكار , قد نتفق في نقطة ونختلف في نقاط , نناقشهم وننتقدهم ونمدح الجيد في فكرهم وننبه على الذي نراه خطأ فيهم , فإذا لم نفعل ذلك فلن نتحرك خطوة إلى الإمام . بل سيصدق فينا قول احد مذيعي راديو العراق عندما قامت إحدى الثورات , فعلق على الهواء مباشرة , " الحميّر هو حميّرنا بس الجلال تغير " أي انه تم فقط تغيير البردعة ولكننا بقينا على نفس الحمار ( الحميّر تصغير حمار).
ليس كل من انتقد شخصية محبوبة لدينا هو خائن أو طابور خامس أو صاحب فتنة , بل يجب  نقبل انتقاده , وحتى إن لم نتفق معه , ونترك فرصة مفتوحة له ولنا للنقاش .
كم أتمنى أن نعي قولان مشهوران في فقهنا , الأول , إن الرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال , والثاني , أن الحكمة ضالة المؤمن , فأنا وجدها فهو أحق بها .
لقد ناقش إبليس ربنا جل وعلا , وسمع منه وناقشه , بل وحتى انه سبحانه وتعالى أمهله , وسمع الله من فوق سبع سموات من كانت تجادل رسول الله , وأنزل بها قرآنا يتلى إلى يوم يبعثون  , إذا كان هذا ربنا , وهذا نبينا  , وهذا ديننا , فلماذا نحن متعصبون , لا نقبل برأي مخالف ولا نقبل نقاشهم . بل ونكيل لهم صنوف التهم ؟
جعلنا الله وإياكم هداة مهتدين ,
وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام