السبت، 24 سبتمبر 2011

دعاية مجانية لخصومك


قد يكون العرب هو أول من اكتشف الدعاية والإعلان . فتاريخنا منذ الجاهلية مليء بالقصائد والخطب الدعائية , بل قد أكون صادقا إذا قلت إن العرب هم أول من عرّف العالم  بالإعلان التجاري , يحكى أن تاجرا اشترى أوشحة فباع جزءا منها وبقى لديه اللون الأسود , فلم يكن له إقبال , اشتكى لصديق له شاعر زاهد فقال الأبيات الشهيرة ,

قل للمليحة في الخمار الأسود  * ماذا فعلت بزاهد متعبد
فانتشرت الأبيات فباع التاجر مخزونه من الأوشحة السوداء

و اليوم أصبحنا متلقين للأعلام الخارجي , كم يؤسفني أن أرى أننا فشلنا في الإعلان عن قضايانا وعن حقوقنا , وكم نحن متخلفون في هذا المضمار . وهذا قد نقبله على مضض.

ولكن الذي لا يمكن القبول به أن نعمل نحن في الدعاية لأعدائنا , نعم نحن نعمل دعاية مجانية لأعدائنا , نحن نشهرهم في العالم , نحن نعرف العالم بهم , نحن نجعل لهم قيمة , وكل هذا نعطيه لهم مجانا ,
لا تستغربوا قولي , نعم نعطيها لهم مجانا ,
ولأقرب الفكرة لكم , دعونا نضرب أمثلة , أمثلة يتذكرها الكثير منا.

أتذكرون كتاب "آيات شيطانية " لسلمان رشدي ؟ لقد قرأت الكتاب , كتاب سخيف, لا يستحق أن يقرأ , لكننا جعلنا منه من اكثر المبيعات في العالم , لقد دفعناه دفعا إلى المقدمة , حقق أرباحا مهولة  ترجم إلى جميع اللغات , والفضل يعود لنا .

أتذكرون الرسوم الكرتونية ؟ كانت بالمعيار الفني لا تستحق أن تعرض ناهيك أن تعاد مرات ومرات , ورسامها مغمور , يعرف على نطاق ضيق في دولته , ثم ماذا , حولناه إلى أشهر رسام كاريكاتير في العالم , تسابقت الصحف على رسوماته , وتحول إلى إيقونة لحرية الرأي ,

أتذكرون القس الذي هدد بحرق القران الكريم ؟ قس لا يعرفه احد إلا البعض من أهل قريته , مغمور , لا يعلم عنه احد شيئا , ثم فجأة أصبح يتحدث للرئيس الأمريكي , أصبح شخصية مرموقة في مجتمعه , ربح الملايين مقابل اللقاءات التلفزيونية , ومقابل المحاضرات التي يلقيها , وهذا بفضل من ؟ بالطبع بفضلنا نحن .

مواقع على الانترنت  تهاجم ديننا وعاداتنا , نقوم بالإعلان عنها مجانا , نتناقل وصلاتها , فتنتشر , نطلب أن يقاطعها الناس , ولكن النتيجة إنها تنتشر , ولو تركناها لماتت خلال أيام , ولكن من نشرها ؟ بالطبع نحن .

كتاب لا احد يعرفهم . ولا سمع عنهم , يهاجموننا , فنتبادل مقالاتهم وأسمائهم وصورهم , فيصبحوا مشاهير , ولو تركناهم لشحذوا لقمة العيش .

يجب أن نتوقف عن ذلك , يجب أن لا نمنح أعدائنا خدمات مجانية , خدمات نشر وأعلام وإعلان  مجانية , هم يستفيدون منا , ونحن نخسر اكثر وأكثر , كالعطشان الذي يشرب ماء البحر.

يجب أن تكون لدينا مؤسسات مدنية متخصصة تستعمل القانون وتستعمل التجارة وتستعمل الإعلان لإغراء الصحف بعدم محاربتنا , وهنا أيضا سأضرب مثالا .

كلنا لاحظ التغير الكبير الذي طرأ على قناة السي ان ان , وكيف بدأت تظهر جوانب جيدة في مجتمعاتنا , وخفت كثيرا حدة التحيز ضدنا , أتعلمون لماذا ؟
لأن شخصية عربية امتلكت جزأ من أسهمها , ولأن إعلانات عربية بدأت في الظهور عليها , هذه هي الطريقة الأمثل للتعامل مع هؤلاء , نقطع عنهم الموارد , نتعامل معهم ببرود أعصاب وبهدوء .

وأخير أجد نفس هذه المشكلة تتكرر في الحياة السياسية , يخطب سياسي ما , يسب في خصمه , وطوال خطبته أو مقاله تجده يتحدث عن خصمه , فهو من حيث لا يدري يركز اسم خصمه في القارئ والمستمع , ويعطي لخصمه حجما كبير , فكأنه أصبح وسيلة دعاية وأعلام لهذا الخصم .
أما لو لم يذكر خصمه وتجاهله , وركز في خطبته على مشاريعه هو ومخططاته هو , لكسب دعاية لنفسه وحرم خصمه منها .

أتمنى أن نعود نحن سادة الأعلام والإعلان في العالم كما كنا ,
وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي .
صالح بن عبدالله السليمان
كاتب مسلم عربي سعودي

هناك تعليقان (2):

  1. هدى الباشا
    إنك تترجم مايعلق في عقلنا الباطن ولا نعلمه إلا عندما نقرأه فنقول نعم كلامه صحيح ..
    أذكر أنه جاء رجل رسام كاريكاتير لصديقه يقول له لقد رسمت هذه اللوحات وهي تسيء لمحمد رسول المسلمين لكنني لم أستطع نشرها بينهم فلم يأبه لي أحد فأخذ صديقه الصور وأنزلها على النت وكتبها عليها رسام يسيء لرسولنا الكريم فلنقف ضده لكي يتم حذف هذه اللوحات.. فانتشرالخبر والكل يضعها على صفحته .. فأصبح لديه الكثير من المتفرجين على اللوحات والتي انتشرت كثيرا .. !!
    نعم نحن من نفعل كل ذلك لأننا نتصرف بسرعة وبعفوية ودون تفكير ..
    شكرا أستاذي الفاضل

    ردحذف
  2. مبدع يا استاذ نسال الله ان ينفع بك، اهلنا وبلادنا ويبارك لك فيما شاء وكيفما شاء سبحانه انه بالخفايا عليم وعلى الاجابه قدير .

    ردحذف

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام