تكلمنا في الحلقات السابقة عن الكثير من الآفات الفكرية التي أصيبت بها أمتتا العربية , ولا استثني من ذلك النخب , بان دور النخب يكاد يكون الأوضح في ترسيخ المفاهيم الخاطئة , وعدم نشر ثقافة الفكر السليم . إذ تجد الكثير منهم يقع في نفس الخطأ الذي يلوم الآخرين عليه , ولا استثني نفسي , ولكن لحل أي مشكله يجب علينا معرفتها ووضع توصيف لها ثم نبدأ بطرح الحلول .
وهذه السلسلة كنت قد بدأت في وضع رؤوس الأقلام لها قبل فترة طويلة , ولم يكن مناسبا نشرها , أما الآن وفي زمن ربيع الثورات العربية , وبداية تحرر الإنسان العربي سياسيا واقتصاديا , نجد لزاما علينا أن نبدأ بإصلاح أخطاء الفكر .
تبدأ مرحلة الإصلاح بمعرفة الخطأ , فإذا عرفنا الخطأ فسنعرف ما يقابله فورا , ثم ندخل في مرحلة ترسيخ الفكر الصائب . لا أتكلم عن ايدولوجيا معينة , فانا مسلم ولله الحمد , ولكني لست إسلاميا , كما أنني لست ليبراليا ولا اعتنق أي ايدولوجيا مهما كانت تسميتها ,
نعود إلى آفات الفكر في مجتمعاتنا :-
1. عدم وضع التعريف الجامع المانع , فعندما يتحدث اثنان أو اكثر حول موضوع ما , تجد أنهم يتنازعون حوله , ولا تكون بعض المفاهيم واضحة المعنى والدلالة , وتجد كل واحد منهم يتحدث عن الأمر بمفهوم يختلف عن الآخر , فلا يعطى للمفهوم التعريف المناسب الذي قد يمنع الاختلاف , ولنعطي مثال , فانك عندما تسمع مجموعة تتكلم حول الليبرالية , تستغرب أنهم مختلفون حولها بينما لم يحددون مفهومها , فالبعض يجعل ليبرالية رديف للانحلال الأخلاقي , والآخر يجعلها رديف للخوض في الخطوط الحمراء في مجتمعاتنا , والى الآن لم نسمع عن تعريف عربي لليبرالية العربية جامع لكل جوانبها , مانع لكل ما خالفها من الدخول إليها , وحتى عندما يتكلم الإسلاميون (ولا أقول المسلمون فهنا بينهم اختلاف وليس افتراق) نجد البعض يجعلها رديف للطالبانية أو نظام ولاية الفقيه , أو محاربة كل مستحدث مادي أو فكري والجمود في العقل عند مرحلة معينة , وقد يظن البعض أن التعريف هام للنخب فقط , ولكن الحقيقة انه أيضا هام للعامة , فعندما نتكلم عن مفهوم الزواج . فالبعض يظنه المتعة فقط وأخر يظن انه دخول في صراع بين الرجل والمرأة في السيطرة ومن يستطيع أن يجعل الآخر يتنازل اكثر . فاختلاف الفهم بالنسبة لهذه المصطلحات سببه عدم الاتفاق على تعريف واضح جامع مانع متفق عليه مسبقا .
2. ألا مبالاة وعدم الإحساس بأهمية الأمور , أتذكر نكتة قيلت في أوائل السبعينات من القرن الماضي . فلقد قيل أن العرب هم أول من اخترع كومبيوتر" أ. ب . م" وبالانجليزية (IBM) وهذه الدعابة تعتمد على اختصار كلمات يستعملها العربي كثير وهي :- إن شاء الله (ولا يقصد معناها الحقيقي) , بكره ( تأجيل الموضوع) و معليش (اعتذار عن الخطأ وببساطه ) . واجد عبقرية هذه الدعابة في أنها تجسد مشكله واقعية وعميقة , فظاهرة اللامبالاة وعدم الإحساس بأهمية ما يجب أن نفعله , وانه يلزمنا فعله في وقته , أوقعتنا في أخطاء كثيرة , ولكن لا يهم , فالاعتذار موجود وهو "معليش" و "خيرها بغيرها" , و "ربك ما قسم " , و "الجايات اكثر من الرايحات" ... الخ إلخ . هذه الآفة تجدها تؤثر كثيرا في مجمل الأداء العام للمجتمعات العربية , ومن نتائجها , عدم احترام الوقت , عدم التقيد بالأنظمة , الاستهتار بالعمل والإنتاج , وغيرها كثير ,
3. نزعة التقليد وكراهية التفكير الإبداعي , وهذه الآفة واضحة جدا , فحالما يفتح احدهم متجرا في مكان ما وينجح , تجد أن الشارع امتلأ بنفس النوع من المتاجر , وحالما يظهر موقع انترنت ناجح نجد المئات من عملية التقليد , حالما يرى الناس أن مشروعا نجح , نجد مئات أن لم نقل الآلاف من نفس المشروع انتشرت , الكل يبحث عن شيء يقلده , ولا يبحث عن شيء يبدعه , لا أتكلم عن موضة في اللباس أو قصة الشعر , فربما هذا منتشر في العالم كله , ولكن مثلا أن نشرت رواية ولقيت نجاحا , عشرات الرويات المشابهة تظهر حالا , فيلما سينمائيا نجح , عشرات الأفلام تتبعه , لا نحاول الإبداع , وليس ذلك فقط , بل ونكره الفكر الإبداعي , ونحاول إحباطه بشتى السبل إراديا أو لا إراديا , فعندما نرى شخصا يبتدع شيئا ما تجد المحيطين به يعطونه من النصائح المقلوبة الجاهزة , مثل " حشر مع الناس عيد" ويعتبرونه شذوذ عن القاعدة , وهذا أدى إلى مشاكل كثيرة من قتل للإبداع أو هروب للمبدعين . فأجمل شي عندنا أن نقلد قالبا معينا , قد نضيف له بعض اللمسات الجانبية الغير مؤثرة أو حتى تقلل من العمل الإبداعي الأول , ولكننا لا نحاول الإبداع , وهذا جعل دولة مثل إسرائيل تسجل سنويا براءات اختراع اكثر بأضعاف المرات من العالم العربي مجتمعا , وليس هذا لأنهم اذكي منا بل لأن مجتمعنا يعتبر حاضنة سيئة للإبداع والمبتدعين ,
4. التفكير الهامشي والسطحي , وهذا نجده في مجتمعاتنا وبقوة , تشجيع فريق كرة قدم يسبب طلاق زوجين , اختلاف حول كرة كانت تسلل أم لا يسبب نزاع وفراق بين أخوة . خطأ في لعبة من العاب الورق يسبب عراكا وسبا وشتما . المظهر الخارجي مهم جدا ولا يهم غيره , عراك حول ملعقة سكر زادت أو نقصت , نجد يومنا كاملا يذهب في أمور سطحية , لو فكرنا بها قليلا لضحكنا على أنفسنا . وهذه السطحية والهامشية نجد أنها قد تشجع من قبل السلطات ومن قبل وسائل الإعلام , واقرب مثال هو ما حدث قبل فترة بين الجزائر ومصر , إذ إن مباراة كرة قدم , تحولت من لعبة للتسلية إلى أزمة سياسية وإعلامية وامتد تأثيرها حتى إلى الشعبين . كأنه لم تحدث مباريات قبلها ولن تحدث بعدها , وكأن نتيجة ستحل مشاكل البلدين العويصة . وقد حدث مرة أن كتبت موضوعا , كتبت في الموضوع جملة " إن شاء الله " بطريقة "إنشاء الله" فجاء رد احد الأخوة بتكفيري وخروجي من الملة , ناسيا حديث البدوي الذي اخطأ وقال " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " رواه مسلم , لم يكفّر القائل . وأمثلة كثيرة لو دققنا سنرى ما تشيب له الولدان من سطحية وهامشية وتدقيق في الصغائر.
5. عدم الاستماع للآخرين ومحاولة فهم ما يقولون , بل أن البعض قد لا يسمع ما يقال , ففي الوقت الذي يتكلم فيها المتكلم , تجد أن عقل المستمع يعمل على إعداد جواب , وفي بعض الأحيان يكون الجواب بعيدا عن ما يقال , وأذكر هنا طرفة نشرتها مرة على صفحتي في الفيسبوك , وتقول (( كان رجل يقود سيارته على احد الطرق , ورجل آخر يقود سيارته في نفس الطريق،ولكن في الاتجاه المعاكس , مر كل منهما على الآخر،فتح الآخر نافذة سيارته وصرخ بأعلى صوته: " ثور" . رد الرجل على الفور بدون تفكير : "حمار" . أكمل كل منهما طريقه، وصاحبنا سعيد فرح لأنه رد ردا مناسبا , وفجأة أصطدم بثور واقف في زاوية الطريق !!! )) كثيرا منا مثل هذا الرجل , فقدنا فرصة لفهم بعض الأمور من وجهة نظر أخرى . فقط لأننا لم نستمع جيدا لما يقال .
6. وإهمال الكيف والاهتمام بالكم , ويا لها من مصيبة , كم مدرسه لدينا , كم طالب تخرجوا , كم موظف جديد , كم صحيفة لدينا , كم و كم وكم , لا ندقق في مستوى المدارس وماذا تدرّس ؟ ولا مستوى التحصيل لدى الطلاب ولا ماذا ينتج العمال أو الموظفون؟ ولا مستوى الصحف وعمقها وتأثيرها في المجتمع , والكثير الكثير , ولكن المصيبة الأكبر عندما يكون الكم هو المعيار الأكاديمي , فلقد اتخذ احد الدكاترة الموقرين معيار الكم ليخرج بنتيجة أن الفساد الإداري بالمملكة العربية السعودية (وطني) اقل بكثير من مستوى الفساد الإداري في السويد , ومعياره في كم عدد خطب الجمعة كمنبر لمحاربة الفساد مقارنة بالسويد , وكم عدد موظفي وعمال هيئة الأمر بالمعروف والشرطة مقارنة بالسويد , والكثير من مثل هذه المقارنات , وخرج بنتيجة أن الفساد الإداري في المملكة اقل من السويد . وبعد هذا المثال أظن أني لا احتاج إلى توضيح اكثر .
7. اتهام الفكر المخالف بالخيانة وعدم الوطنية . قد أكون قد ذكرت شبيها بها في السابق , ولكن التركيز هنا , هو على احتكار الوطنية , وهذه مصيبة عامة , فالليبرالي خائن وغير وطني للإسلامي , والإسلامي مشكوك في ولائه للوطن عند الليبرالي , وكلاهما خائن لدي إتباع أيدلوجية أخرى , فالوطنية حكر على رأي مجموعتي , ومن لا يتبعها فهو خائن , وقد يبلغ بعض الأحيان من التشدد أن يستحل قتل المخالف في الرأي . وهذا أوردنا إلى مهالك كبيرة , ودمر دولا مثل العراق وأفغانستان , وآذي دولا مثل سوريا وليبيا وسنة إيران والأهواز , وللأسف فان الأنظمة الحاكمة هي من شجع على ظهور هذا الفكر , فهي أيضا تقول أن من خالف الحاكم في الرأي فهو خائن وليس وطنيا , ولو غيرت السلطات من فكرها , وكانت حاضنة لكل أطياف الفكر والرأي , تتقبله وبصدر رحب , تتقبله وتناقشه وتفيد وتستفيد منه , لم يكن لمثل هذا الفكر المتطرف أي طريق للنجاح .
8. الإشاعات ونقلها دون التفكير في صحتها وفي عواقبها , وقد يكون هنالك تبرير منطقي لتصدر الإشاعة للواجهة في مجتمعاتنا , حيث أن هناك اكثر من خلل في المشهد الإعلامي .إذ أن القنوات الإعلامية مسيّسة ولا تتمتع بالشفافية المطلوبة لنقل الخبر الحقيقي , وكنا إلى وقت قريب نقبل أخبار "البي بي سي" البريطانية حول أخبار مجتمعاتنا ودولنا . ولا نصدق محطات بلداننا , والخلل الثاني هو في انعدام الصحف والقنوات المحلية المرتبطة بالشارع . بل وحتى صحفنا المحلية تجد أخبارها مركزه على الشئون العامة وأخبار بعض النخب . وحتى أن قبلنا بهذا التبرير, ألا أن هنالك شائعات كثيرة يتبناها المجتمع والفكر قبل أن تكون لها أدلة أو وقائع , فتكون إشاعة مبنية على إشاعة أو تحليل خاطئ لخبر , وكم عانت مجتمعاتنا من هذه الإشاعات , وحتى على الصعيد الشخصي , فاذكر أن صديقا قد خطب من عائله جيده , ولكن ظهرت إشاعة انه يشرب الخمر , اعرف هذا الشخص جيدا وسافرت معه مرات كثيرة ولم يكن به مثل هذه العادة , ولكن نتيجة الإشاعة فسخت خطبته من تلك الفتاة وبقيت هذه الإشاعة تؤثر عليه ردحا طويلا , فلدينا استعداد لقبول الإشاعة وتبنيها والعمل بموجبها بعض الأحيان .
9. التعميم المخل , قد تكون هذه الآفة عالمية وليست حكرا على العرب , فالتعميم المخل هو أن تحكم على عموم مجموعة أو عرق أو قبيلة ما بسبب خطأ أو جريمة قام بها شخص ينتمي لها . , ومن أمثال ذلك , اتهام المسلمين بالإرهاب لأن بعضهم قام بعمليات إرهابية , ولكن الأهم بالنسبة لنا هو ما يجري في مجتمعاتنا . إذ نجد أن أهل مدينة أو منطقة ما يتهمون أو يعطون صفة لصيقة , ولا أود أن اطرح أمثله حتى لا أكون طرفا في شيوعها , فنجد اتهام للأسكندراني بشي ولأهل بنغازي بشي وللسعوديين بشيء آخر , وهكذا نجد أن كل مدينة أو قبيلة أو محافظة تحمل أوزار بعض من أخطأ من أهلها , وتجد الرأي العام يميل لهذا النوع من القوالب الإتهامية , وأكثرها شيوعا هو اتهام أهلنا وأخوتنا في صعيد مصر بالغباء , وظهور الكثير من الفكاهة والنوادر عليهم , ولكن لو نظرنا مليا , لوجدنا أن صعيد مصر هو الحاضنة لكل الحضارات المصرية من الحضارة الفرعونية وحتى يومنا هذا , وتجد أن قمم الأدب والشعر وغيرها هم من أبناء الصعيد , ولكنه التعميم المخل . الذي نتمنى أن يختفي من العالم كله . وليس من العالم العربي فقط . فمثل هذا التعميم يكون سببا في التفرقة بين طوائف المجتمع , وظهور الشعور الخاطئ بالدونية والفوقية , وتكتل كل طائفة منطقة ما لكي تحافظ على نفسها , وتمنع من اندماج المجتمع الاندماج الضروري لتوفير بيئة مناسبة للتطور .
10. جلد الذات العامة , دائما ما نسمع كلمات قبيحة تسب الأمة , فالعرب طبعهم كذا , وفعلهم كذا , ومن أسوئها ما نسمع من مقولة "العرب جرب" وما إلى ذلك , بل وبلغ بالبعض وخصوصا من دولة مجاورة للعرب ولها مذهب مغاير للنسبة ألكبري من العرب تستخدم مصطلح "أعراب" وخصوصا أئمتهم ومثقفيهم وإسقاط ما ورد في القران الكريم من ذم للأعراب على العرب , بالطبع أي دارس للغة العربية يعرف الفرق بين المصطلحين , ولكن نجد أن هذا ترسخ لدي الكثير من العرب . ونبدأ في نفي أي محاسن عن العرب كأمة وكشعوب ونسب كل النقائص إليهم , بالطبع كانت الحالة السياسية تشجع على نمو هذه الآفة , والسياسات القمعية والتهميش والتجهيل الذي عانت منه الأمة سببا في ترسخ مثل هذه العقيدة , وأصبحنا كلما شاهدنا شيئا حسنا في أي امة جلدنا امتنا وجلدنا أنفسنا معها , ولا أقول سرا , إنني كنت ممن يمارسون هذا الخطأ الفكري , إذ لم نأخذ في الحسبان العوامل الأخرى التي أدت إلى تخلفنا , ولكن بعد ثورة الياسمين وثورة الشباب وثورة المختار , أعدت التفكير في الأمة فوجدت أن فيها خيرا كثيرا قابعا تحت الرماد . ويجب علينا احترام امتنا وتقديرها ومحاولة إصلاح أخطائها .
11. الفكر التبريري . تجد المسئول لدينا يخطئ ويخرج إلينا بالتبرير , مناسبا ام غير مناسب , تجد المدير يخطئ فيخرج بتبرير يضحك به على عقول تعلم انه كاذب , الميكانيكي يخطئ في إصلاح سيارتك وعندما تواجهه يعطيك تبريرا , وهلم جرا , الكل لديه تبرير , ولا احد مسئول عن عمله , من أعلى الهرم إلى أسفله , خطأ فتبرير . قد لا يقنعك التبرير , ولكن من أنت حتى تعترض عليه , هل أنت صاحب سلطة ؟ أم مدير ؟ او تفهم في الميكانيكا ؟ . والأدهى انه قد تفشت ظاهرة التبرير و غزت الكل , حتى النخبة , وحتى الأطباء , وأتمنى أن لا تصل إلى الصيادلة فيصرفوا له الدواء الخاطئ ثم يبررونه في تشابه لون القارورة . أو شكل الكبسولة , أو حتى خطأ عامل التنظيف إذ غير مكان العلب , لا احد يواجه الخطأ مواجهة حقيقية ويضع يده على العلة ويحاول علاجها , كل ما نريده هو أن نخرج أنفسنا من دائرة المخطئين أولا ثم ننهي الموضوع ونقفله . وأعطيكم مثالا حدث لصديق لي , سافر صديقي إلى الخارج ومعه أهله لمدة ثلاث أشهر في دورة , أعطى عاملا مبلغا وطلب منه أن يسقي الحديقة ثلاث مرات في الأسبوع , عاد بعد سفره ليجد حديقته التي صرف عليها الكثير من المال والكثير من الجهد صحراء جرداء كالربع الخالي أو كجنة أهل الصريم , فغضب وسأل العمل لماذا لم تسق الحديقة وقد نقدتك أجرك مقدما , فكان الرد " والله يا بيه أنا ملقيتش زر اللمب (مفتاح الأنوار) بتاع الجنينة " فسأله لماذا لا تسقيها عصرا؟ فقال لا يا بيه الدنيا بتكون حر ويمكن يموت الزرع !!! . تخيلوا انه أمات الزرع حتى لا يسقيه في وقت قد يموت فيه (؟؟؟؟) , هذه الواقعة تجمل موقفنا . وكيف أن الكثير منا يستعملون مثل هذا النوع من الأعذار , وهذا يلغي المسئولية والالتزام
12. ثقافة العيب , لا اعلم كلمة تستخدم في التربية لدينا اكثر من كلمة العيب , لا تفعل فهذا عيب ولا تقل هذا فهذا عيب , لا تقم بهذا فهذا عيب ’ لا تجلس هنا فهذا عيب , حتى استملكتنا هذه الفكرة , وأصبح مفهوم العيب غير واضح لدينا , أصبح الرجل لا يفكر إلا كيف ينجوا من العيب , والمرأة تحاول الهروب من العيب , ولكن العيب الذي نسمع عنه ونخاف منه غير محدد المعالم , أصبح كأمنا الغولة , أو حمّارة القايلة أو البعبع , فلكل مجتمع من مجتمعاتنا ما نخافه وما نخيف أبنائنا منه . وبالوحش المسمى بالعيب والذي نستخدمه دائما أصبحت الفتاة لا تناقش أبيها أو أخيها لأنه عيب , أصبح الفتى لا يبدي رأيه لأنه عيب , أصبح الطالب لا يرد على أستاذه في نقاش فكري وعلمي لأنه عيب . أصبحت مناقشة الفتي أو الفتاة لأهلهما في أي أمر من الأمور عيبا , لكن ما هو العيب ؟ ما معيار العيب ؟ ما هي ضوابط العيب ؟ لا أحد يعلم ولا احد يجيب , فما أراه عيبا , يراه أخي شيء عاديا , وما يراه جاري عيبا أراه أنا شيء عادي , وغرقنا في بحر لا نعرف له أول ولا أخر , ولا سطح ولا قرار , يتمدد رأسيا وأفقيا , حاولت مرة أن أسجل كيف نستعمل كلمة عيب , وبعد لأي وجهد وصلت إلى اقتناع إن كلمة عيب عندنا تعني " لا أحب هذا " فكل ما لا نحبه قد يتحول إلى عيب يعاب به الشخص المقابل , كلمة قد يكون لها معنى بعض الأحيان ولكن في مجتمعنا أصبح معناها غائبا ومغيبا , نهدد فتياننا وفتياتنا ونرغمهم على إتباع أسلوبنا بثقافة العيب , نعدم ملكة الإبداع والتفكير وحرية القول والفعل بثقافة العيب , ونحاول السيطرة عليهم بدون جهد ,
وأخيرا وليس آخرا قد نكون ذكرنا اكثر الآفات في الفكر العربي , قد لا تكون كلها في شخص واحد , فلا يعقل أن يكون احد مصاب بها كلها ولكن مصاب ببعض وسليم من الآخر, وقد لا تكون كلها عربية , إذا تشاركنا الأمم الأخرى بعضها أو جلها . فما قلناه ليس نقدا للعرب , ولكنه نقدا للفكر ومحاولة لمعرفة الداء والبحث عن علاج له .
نحتاج في مجتمعنا أن نضع ضوابط عامة للفكر , ولا اقصد بضوابط , أي موانع وحدود , ولكن ضوابط له لكي يسير في الاتجاه السليم وينتج نواتج مقبولة , وحتى لا تصبح هذه الآفات عوائق على طريق التقدم والتطور .
ولي عودة لهذا الموضوع إن شاء الله .
صالح بن عبدالله السليمان
كاتب مسلم عربي سعودي
بارك الله فيك مقالات رائعة ومفيدة وإن شاء الله نستفيد منها نحن وأهلنا وشعبنا
ردحذفأتابع بشغف مقالاتك في شبكة الشاهد الصومالية أخوك محمد ضاهر الزيلعي
بنغازي الحبيب شكرا صالح بن عبدالله السليمان
ردحذف