الخميس، 22 سبتمبر 2011

ليبية بين الشيطان والأمل


وصلتني البارحة رسالة من أخت ليبية , انسخ لكم جزءا منها , جزء وددت أن يشاركني به العالم كله , ليعرفوا ماذا فعل القذافي لليبيين . حاولت تلخيصها , ولكن كيف تلخص معاناة أربعين سنه ؟

نعم تصلني عشرات الرسائل يوميا , ولكن صاحبة هذه الرسالة لم تكن امرأة عادية , فقد تعرفت إليها في نشاطات تعاونية , وهي أستاذة جامعية , ومفعمة بالأمل .
لم أكن أتوقع أن تكون هي من يرسل مثلها , ولكني اعتذر , لقد أخطأت , وكم من مرة أخطأت ,
كنت أتوقع أن تكون عاشت عمرها رغدة العيش , مسرورة بما حققته , وكان هذا أيضا خطأ آخر .
لا أطيل عليكم , هذه هي رسالتها ,

أستاذ صالح
مقالاتك رائعة والله ,  لقد عشقتها  , وأحببت أن أقرأ لك , أحس أنها من القلب لذا كانت رائعة  لأنها خرجت من القلب . وهذا ما سيشجعني على أن أحكي لك أمرا ,  أتعلم كيف كنا نحيا ؟
كنا نحيا  أللا حياة ,  كنا نمشي كأننا آليون , نعم كنا نحيا كإنسان آلي , كنا نحيا بلا أمل .
هل تعلم ماذا يعني بلا أمل ؟
 هناك شيء غير موجود بداخلنا . خلايا مفقودة  كنا نسير ونتكلم ونأكل بدون أن نحيا 
 هل تفهمني؟
 لم يكن لشيء طعم لدينا  ,  كانت الدنيا سرابا ,  كانت الحياة وهما ,  كان كل شيء بلا معنى وبلا أمل .
 أتعلم لماذا ؟
كان من يدعي انه قائدنا ,كنت دائما أتخيله شيطانا ,  ينهض صباحا وقد خطر له قرار جديد يريد أن يجبرنا عليه ,  
قد يكون حلم به ,, أو خطر في باله لا أعرف .  لهذا كنا لانفعل شيء لمستقبلنا ,  لأننا لا نثق بفكره ,  فربما يغير رأيه فجأة ,  كنا بلا مستقبل ’  كنا في الحضيض
أكتب لك كلماتي هذه وأنا أبكي بحرقة ’  أحاول أن أنسى كل حياتنا البالية التي عشناها معه ولهذا اكتب لك . فربما لا أستطيع كتابتها مرة أخرى لأني أحب أن أنساها .
كنا آليين , نعم  كنا آليين
كانت ترتسم على شفاهنا ابتسامة شاحبة  يعلوها غبار السنين ,  
كان اليأس مجدافنا  عبر وهم عميق  لنصل حدود السراب ,  
كان الأمل غائبا ,  
كان هدفنا أن نقتصد في قطعة خبز كي نشتري علبة عصير ,
لم يكن حلمنا يوما أن نعيش  فقد نسينا ذلك ,  كانت أبسط مقومات الحياة لدينا مفقودة .
لم نكن نعلم ما هو العشب الأخضر ,   
صدقني ,  لم نكن نعلمه  فلم نرى يوما عشبا أخضر ينمو ,  
كل شيء كان خراب ,  
كانت القمامة في كل مكان ,
المباني مهدمة مشوهه ,  والمجاري مفتوحة , وتفيض عفنا ,  
ونحن نمر بجانبها , فقد كانت جزءا من حياتنا .
 كان الخبز نوعا واحدا ,  ونقف عليه في الصف طويلا ,  وليس له طعم ,  لأنه صنع من دقيق سيء النوع  كان قد تم استيراده بواسطة أزلامه أو نظامه , لا فرق , فهم  واحد .

 أتدري ؟ أننا لم نكن نعلم ما هي الشوكولاتة  ؟
 والله ,  لم نكن نعرفها ’  ولم تكن تباع أبدا .  كانت أمي تصنع لنا مكونا من الكاكاو والزبد والسكر ,  تقول لنا أنها شوكولاتة ,  تجعلها على هيئة كرات  لنأكلها ,  كانت لنا الدنيا وما فيها ليس لأنها شوكولاته ولكن لأن امي صنعتها !!
 لم يكن لدينا عصيرا  أو مشروبا سوى ما يتم صنعه في مصانع الدولة , وهو نوع واحد
 يوضع في زجاجات يتم استعمالها أكثر من مرة  بيبسي وميرندا وبيتر , وليتها كانت جيدة ’ والأسوأ كانت الزجاجات متسخة قذرة , ترى الرواسب داخلها .
 لم يكن لدينا ملابس ,  لم نكن نشتري للعيد ,  فقد جاء وقت حرم فيها  التجارة .  ولم يكن يحضر لنا ,  كان مزاجيا ,  متى أراد أن يحضر ومتى لم يرد ,
 وحتى لو أراد أن يحضر شيئا  يأخذه أزلامه  وحاشيته  ولا يتركون لنا سوى الفتات
الذي قد لا نحصل عليها أيضا !!
أذكر أنه لم يكن لدى البعض حتى حذاء ,  ليس لأنه ليس لديه نقود , بل لدية نقود ..
لكنه ليس هناك متجر  يشتريه منه   فلا يوجد ما يباع ’  لا يوجد محلات ,  لا يوجد أسواق , توجد فقط  أسواقه هو  , أسواقه السيئة الفارغة
لقد جفت عروقنا ,  ويبست أوصالنا ,  وخمدت أرواحنا ’  بعد أن مات الأمل   و خاب العمر ,  وماتت ظلال السنين .
هل أحسست بما أحسست أنا .  ؟
هل عشت ما عنيته  ؟
هل شعرت بنا ؟
لم يكن لدينا بسكويت ’ أو قطعة جبن  أو حتى  حلمنا بهما !!

كان كل شيء مسخر له وله وحده , , حتى أن  قنواته اللعينة لم تكن تبث سوى آراءه و أحاديثه و أعماله و مقابلاته و لقاءاته اللعينة و تتحدث مدحا فيه من بعد الظهر حتى الليل ، وكانت كلها أحاديث غبية  وبرامج سخيفة  وكان يعاد بثها مرات عدة
عرض علينا مرات عديدة فيديوات لمشانق أقامها لبعض الشباب .  كنت صغيرة عندما رأيت ما سماهم "الكلاب الضالة" . رأيت أزلامه  وهم يتعلقون بجثتهم .  لقد رأيتها على التلفاز,  في شهر رمضان  وهو يقوم بإعدام الشباب  ,  ثم يتعلقون بالجثث ,  كنت ابكي بغير دموع عندما  رأيتهم ’  وبكيت بدموع حارة عندما رأيتهم يطلبون شرب كأسا من الماء  قبل الموت   وكان أزلامه يصبون الماء أمامهم  ولا يعطونهم  شربة ماء  في شهر رمضان  ,  وهم على وشك أن يشنقوا ,  لقد رأيتهم ...وحفرت صورهم في ذاكرتي .
أي رئيس دولة يفعل ذلك على التلفاز  !

 كان كل شيء بلا أمل  درست في الكلية وليس لدي أمل  في أن أكون شيئا يوما .
 كان لدي صديقة رائعة , قبض على والدها في محاولة  لإزالة النظام  مع بعض الضباط
هل رأيت أستاذي بعض الفيديوات التي نشرت في اليومين التي فاتت ؟
فيديوهات  وهم يقوموا بشنق شخص في بني وليد؟  اسمه "الوافي امبية"  هل رأيتها على اليوتيوب؟  
إني أراها  وأموت مرارا ,  كان والد صديقتي ذاك   ؟؟
هل تعلم بأني لم أذكر يوما أسمه على لساني ؟
عندما أتحدث عنه أقول لقبه فقط
أخاف أني قد أثقلت عليك ولكن اعذرني فالألم كبير ؟
هل عرفت الآن ماذا يعني لنا ؟
 عندما تطلب مني وصفه  بكلمة  لا أستطيع ,  لأنه كل كلمات الدنيا لا تعطيه حقه في الوصف ,  لقد دمر شعبا ,  دمر وطنا ,  أخر زمنا ,  أفسد في الأرض , أنه الشيطان بعينه .
 ليس لي من ذكريات ,  أتعرف الفراغ ؟
 كانت ذكرياتي بسيطة ,  أبي إنسان رائع , وأذكر أمي الرائعة و الشيكولاته التي تصنعها , هذه فقط التي استطيع أن أصنفها بالذكريات , هذه فقط .
هل فهمت كيف كنا نعيش ؟
 لم نكن نعيش  
حلمي ’  حلمي دائما هو الأمل ,  أرى أن الأمل به نحيا ومن غيره نموت
حلمي أن نبني بلادي ,  بطيبة خالصة ,  بصفاء قلب ,  بعدم الحسد والحقد
أن نبنيها بدون فساد ,  أن نفيها حقها ,  فقد عانت طويلا ,  وعانينا معها
والله لو يدرون .  لتركوا الدنيا  التي يتكالبون عليها  ويتخاصمون على رضاها
لو يدرون  كيف نعيش ونحيا ,  بالأمل
أبنائي , أريدهم فقط أن يلعبوا ,  يرتاحوا ’ لا للقيد الذي كان في معصمي ,  أريد لهم أن يعيشوا حياة بسيطة  من دون قيود  أو تعقيدات
 أنا إنسانة بسيطة أحب البساطة في كل شيء و التلقائية ,  لو أننا نعيش حياتنا على قوانين بسيطة جدا  لكنا أسعد الناس

أقول لها , أختي الحمد لله , كنت سأنصحك أن تنسي , ولكن أنت قد قررت ذلك , فهنيئا لك عودة الحياة وعودة الأمل , وأكذب إن قلت لك أن أحدا يمكن أن يتخيل ماذا أو كيف كنتم تعيشون ,

يتوقف القلم أحيانا , ويتعب الفكر للبحث عن كلمات تناسب المقام , وأظن أن أي قلم لا يستطيع أن يعبر عما عانيتموه , لكم الله  
ولكن دعيني أقول لك , أن الكثير من أخواتك العربيات يعشن نفس مأساتك , ولكنهن يرجين إن يصلن لما وصلت إليه ,
وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان

هناك 9 تعليقات:

  1. أسأل الله تعالى أن لا تعود تلك الأيام العجاف ، اللهم اجعل بلدنا آمنا مطمئنا سخاء رخاء دار عدل وإيمان وسائر بلاد المسلمين ...
    آآآآآآآمييييييييييين

    ردحذف
  2. الله اكبر لقد تحررنا وحررنا الوطن

    ردحذف
  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الحمد لله أننا تحررنا من هذا الكابوس بالنسبة لي ولجيلي نحن لا نذكر أيام الحصار كثيرا فقد كنا أطفالا لا نفقه ما حولنا من أمور ولكن أنا اذكر عندما كنت أسافر مع عائلتي كيف كنا نسافر برا إلى تونس ونستقل الطائرة من هناك لأن هناك حظرا على الطيران, وكيف أن الأسواق فارغة وليس هناك ما تشتري, وكيف ننسى أيام المؤتمرات الشعبية وكيف كان كل شئ يقفل اجباري حتى المدارس من أجل حضور هذه المهزلة والمشاكل التي تحدث فيها والتي تصل إلى القتل, وماذا أقول عن التعليم ومأساته, والصحة وما يحدث فيها من كوارث, والمشاريع المعمارية والطرق والإزالة لغرض التطوير, والله إلا مأساة مش عارفه كيف عشنا هالحياة سبحان الله كيف كنا ومازلنا نضحكوا على واقعنا المرير والمسرحية الكوميدية اللي عشناها لكن الحمد لله على كل شئ(وكان ما جيتش ليبي راه فاتك الجو كله)

    ردحذف
  4. أيُها الافاق التهاون أنت ومن كان ع شاكلتك ياشداد الآفاق ياقتله يادناب الاستعمار وهذا موجه لصاحب العقال وكل من شد ع يديه

    ردحذف
  5. الله يحشر كل واحد واقف في صف معمر معاه ويجمعه به بمكان واحد يوم القيامة وهذا الكلام موجه لصاحب معمر الآفاق ومن شد على يديه.

    ردحذف
  6. لنا ميعاد عند رب العباد.......يوم تُنصب الموازين ونشوف ........من هو مع ساركوزي وكاميرون وأُباما ومع وبرناد ليفي والنيتو ومع الكفره الفجره ياعدو الله والانسانيه ياعدو العرب إذا مازال في عرب وإذا كان مازال في دين عند أذناب الخنازير ..............والله ثم معمر وليبيا وبس

    ردحذف
  7. ام يقين
    استاذي الفاضل .... لقد قرأت رسالة اختي السابقة التي تحكي حياتها تحت قهر القذافي ولقد بكيت كثيراً لأنها لمست جرحاً نازفاً في حياتي ... التي مر منها 44 سنة ولكني اعتبرت هذا البكاء بعد طول تحجر دليلاً على استعادتي لأدميتي بعد ان حولت لألة طيلة ايام حياتي ... تخيلوا حياتاً تمر دون أن تستطيع حتى التفكير في أي نوع من انواع الترفيه ... عشت حياتي من المدرسة إلي البيت ولن اتكلم عن المدرسىة فهي باهته لا يوجد فيها سوى سخط المعلمة وحفظ المنهج وورقة النجاح أو الرسوب ... تخرجت وتزوجت وأنجبت الاطفال وأنا كالألة لم افرح بشهر عسل أو منزل متكامل ...أذهب الى عملي كمعلمة لاني محتاجة الي المال لانفقه في الضروري من المأكل والملبس واساعد زوجي لانه لا يستطيع وحده تحمل الطلبات الضرورية ... فنحن ليس من حقنا التطلع الى الكماليات في نظر القذافي فالاكل مايسد الرمق فقط ليس بالضروره أن يكون صحيا أو محتوياً على فواكه فهذا لا يوجد إلا في الاحلام , الملبس اي شي يستر البدن ... انجبت الاطفال وإلى أن قامت هذه الثورة المباركة بإذن الله وهم يعيشون جزء مما عشت وأنا أعتبر في نظر الليبيين من الطبقة المتوسطة والتي حالها مستور هكذا هي حياتي فما بالك بحياة الفقراء فالحمد لله الذي خلص أبنائي من هذا الطاغية وسأعيش معهم الفرح الذي إنتشر مع هواء بلادي وسأعيش ايامهم الحلوة بإذن الله كأنها ايامي وسأجتهد في نساين ألآم الماضي , فلقد فرحت ببكائي وعلمت اني انسانة لها مشاعر.

    ردحذف
  8. والله رسالة الأخت نكأت الجرح
    تخيل يا استاذ صالح ان القذافي وبالاخص بفترة الثمانينات منع التجارة والاستيراد من الخارج مبتدعا مقولة أو قلتقل حكما (لاستقلال لشعب ياكل من وراء حدوده)واعتبر ان كل صاحب محل تجاري خاص هو برجوازي راسمالي وكان يصفه بـ (موزع فرد).. فقط كانت هي الجمعيات الاستهلاكية
    كان كل من يذهب خارج ليبيا كان ياتي بالشوكلاتة والعلكة بسبب أنها لم تكن موجودة .. أيام سود عجاف عشناها بسبب افكار هذا المعتوه التي أردا ان يطبق فيها مبدأ الاشتراكية الذي ساوى الليبين كلهم في الفقر والحرمان
    بل حتى الرياضة : قال بكتيبه الاخضر حين وصف الجماهير التي تشجع فريقا هي جماهير مغفلة وأن(الرياضة نشاط عام ينبغي ان يمارس لا أن بتفرج عليه) ... وغيرها من مآسي هذا المعتوه

    ردحذف
  9. والله الذي لا إلاه غيره لولا الأطالة لسردت لك مع كل فقرة من فقراتها قصصاًً جما لا يصدقها العاقل ولا يستسيغها الجنس البشري على جميع أطيافه وألوانه ودياناته
    أنا من مواليد 17 فبراير 2011
    والله لم أرى يوماًً في حياتي قط فرحا مع هذا المجرم الطاغي
    وإن كنت قد أخالف أختنا هذه ففي فقرة واحدة وهي "بعد أن مات الأمل" فأنا لم أفقد الأمل رغم تلك الضلمة الحالكة والسرداب الطويل التي عشتها في الضلام كنت على يقين أن هناك رب رحيم غفور يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
    هل تعلم يوم 16 فبراير 2011 عندما جائني زميلََ في العمل وأخبرني بأن الليبيون يتنادون في الفيسبوك بمضاهرة للأزالة النظام وأن بنغازي والزنتان قامتا على بكرة أبيها في مضاهرات حاشدة ضد حكم الطاغية ماذا فعلت صرخت بأعلي صوتي "الله أكبر "دم شهداء زملائي وأصدقائي وجيراني ال35 الذين قضوا نحبهم في سجن أبوسليم في المجزرة الشهيرة لن يضيع هباًً بل هل تصدق كم كان عمر زملائي هؤلاء حين القبض عليهم كانت أعمارهم تتراوح ما بين 17 عشرة سنة إلى 25 سنة والتهمة الموجهة لديهم هي زنادقة لكي تفهم لغتنا زنادقة في قاموسنا تعني من أصر على أداء صلاة الفجر في المسجد + لحية + لباس عربي أصيل طويل
    ..... أسف لم أكن أقصد كتابة كل هذه الكلمات هاهنا ولكن ؟1!!
    لربما أطلعك على جرائم القذافي لاحقاًً

    ردحذف

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام