السبت، 31 أغسطس 2024

يوميات أم غزاوية

اليوم الأول:

اليوم، استيقظت على صوت انفجار عنيف يهز جدران منزلي. لم أستطع أن أميز مكان الانفجار، لكنني قمت بسرعة بإنهاء صلاة الفجر، وبدأت أستعد ليوم جديد يمضي في أجواء من التوتر والقلق. وضعت ابنَيّ، فاطمة وعماد، في سريريهما على أمل أن يستمر نومهما. كيف أشرح لهما أن هذا ليس عالمًا طبيعيًا، بل عالم من الهجمات المتكررة؟ 

خارج منزلنا تغير كل شيء. الشوارع كانت مليئة بالركام والزجاج المتناثر، والأصوات تتردد بين صرخات الناس وغضبهم. في هذه اللحظات، أدركت أن الصور التي تتكرر في ذهني ليست سوى الواقع الجديد.

اليوم الثالث:

مر يومان، وما زلنا في حالة من الفوضى. الأخبار تتسرب من كل جانب: العائلات تُهجر، المنازل تدمر، والمستشفيات تتعرض للقصف. أتوجه إلى مركز الإغاثة للحصول على بعض المواد الغذائية، ولكن الزحام كان خانقًا. هناك، رأيت الأعيُن الملأى بالدموع والترقب، والأوجه المتعبة التي تحمل طيات الألم.

في تلك اللحظة، أدركت أننا لا نعيش فقط تحت القصف، بل نقاتل ضد اليأس أيضًا. قررت أن أكتب في دفتر يومياتي عن كل ما نشعر به، لنؤرخ هذه اللحظات المؤلمة لعائلتي وللأجيال القادمة.

اليوم الخامس:

اليوم، استيقظت على صوت طفل يبكي في الجوار. شعرت بقلبي ينقبض. ليس فقط لأنني أم، بل لأنني أدركت أن هذا الألم يطارد الجميع. جلست مع فاطمة وعماد، أخبرتهما قصصًا عن الألوان والفرح، عن الأيام التي كنا نذهب فيها إلى الحدائق ونلعب تحت أشعة الشمس.

خلال ساعات اليوم، تواصل القصف. جدران منزلي تهتز من جديد، وأنا أحتضن أبنائي وأحاول أن أنقل إليهم شعور الأمان رغم كل شيء. نحن بحاجة إلى الأمل، لكن كيف يمكنني الحفاظ عليه في ظل كل ما يحدث حولنا؟

اليوم السابع:

بمرور الوقت، أصبحت العودة إلى الحياة اليومية شبه مستحيلة. كان علي أن أعتني بحاجات أطفالي، وأن أبحث عن الطعام والماء. ولكن القصف صباحًا ومساءً لا يرحم. بين الفينة والأخرى، نتلقى أخبارًا لا تطمئن: أصدقاء لنا فقدوا منازلهم، وآخرون فقدوا أحبائهم.

قررت أن أساعد الآخرين، فسجلت اسمي في قائمة المتطوعين في مركز الإغاثة. شعور العطاء أعطاني زخمًا جديدًا. بدأت في توزيع الطعام والماء على العائلات المحتاجة. كنت أرى الفرح في عيونهم، حتى لو كان مؤقتًا، وهذا أعطاني القوة للاستمرار.

اليوم العاشر:

اليوم، وقع قصف قوي قريب من منزلنا. أصوات الصراخ تعلو، وأصوات الأطفال تبكي. في تلك اللحظة، أدركت أنني كأم يجب أن أكون قوية، رغم كل شيء. أخذت فاطمة وعماد وخرجنا بسرعة، وهرعنا إلى الملجأ. كلما اقترب القصف، كنت أُعزي نفسي بأن حياتنا هي أقوى من الظلم الذي يحاصرنا.

لقاءاتنا مع العائلات الأخرى في الملجأ كانت مفعمة بالأمل والتشجيع. كنا نتبادل الكلمات والضحكات رغم الألم، ونستمر في دعم بعضنا البعض. عرفت أنني لست وحدي، وأننا جميعًا في هذه المحنة معًا.

اليوم الثاني عشر:

فقدت اليوم زوجي وفاطمة ابنتي الصغيرة تحت القصف, لم تبق دموع لدي لأسكبها على مصابي, فكل من حولي مصاب ولكن الحياة مستمرة، ومع كل يوم جديد، أكتشف أن القوة تأتي من عمق الألم، وأن الأمل يظل متجددًا رغم كل الصعوبات.

صالح بن عبدالله السليمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام