السبت، 18 فبراير 2012

وأنا أول المتآمرين


كنت قديما اقرأ كثيرا لبعض من كنا نسميهم " مفكرين " أو " محللين : أو " نخبة " أو " مثقفين " , وكنت احترم آرائهم , وقد أتبنى بعض ما يقولون وأدافع عنه . ولكن بعد ثورات الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا , والتحرك الثوري لبعض الشعوب الأخرى , وبدء الحركات الإصلاحية في بعض الحكومات , بدأت أتعرف على وجه آخر لهؤلاء .

 وجه قاتم اسود , لا يمت للفكر بصلة , وجه  يحتقر قوة الشعب , ويحتقر وسائل الإعلام والتواصل الشعبي الحديثة . قد تكون كلمة " يحتقر " قوية وكبيرة , ولكنها هي الكلمة الوحيدة التي استطيع أن استعملها .

فهم يبنون فكرهم على  قواعد ونظريات أساسية , ومنها ينطلقون في التحليل .

أولى هذه النظريات هي نظرية المؤامرة , فكل ما يحدث في عالمنا العربي هو مؤامرة , ومحاولة إعادة الاستعمار , فكل الشعوب الأخرى تتآمر على العرب , أمريكا وبريطانيا وفرنسا تتآمر على العالم العربي , وتحاول أن تعيد استعماره , والخطأ الأول في هذه النظرية هو أننا لا نعيش في أواخر القرن التاسع  عشر أو أوائل القرن العشرين , فنحن في الربع الأول للقرن الحادي والعشرون , وإعادة الاستعمار بالمفهوم القديم غير ممكنة بل ومستحيلة .
و نظرية المؤامرة تتطلب أربع عناصر وهي  متآمر , ومتآمر عليه , وخطة التآمر , والهدف من التآمر , وفقدان أي عنصر منها يجعل من النظرية غير ممكنة , وغير قابلة للتحقيق , ولنرى هذه الأركان الأربع  النظرية .

المتآمر :-  وهنا المقصود بالمتآمر هي الحكومات الغربية , ولكن إذا لاحظنا أن هذه الحكومات , كانت تقف إلى جانب الطغاة , وتساندهم بالسلاح والخبرات والتجسس على المعارضين , بل وبلغ أنها كانت تقبض على المعارضين للأنظمة وترسلهم  للطغاة . فهل مثل هذا يتآمر لصالح الشعب العربي؟

المتآمر عليه :-  كما تساءلت سابقا , هل من الممكن أن تتحول الحكومات الغربية وفجأة للتآمر على الحكام العرب بعد أن كانت تقف معهم وتساندهم وتثبت أركان حكمهم ؟ .  وهل الحكام العرب الذين أزيلوا أو موجودون الآن كانوا يشكلون خطرا على الغرب حتى يتم التآمر عليهم ؟  جميع المعطيات في الواقع تقول عكس هذا !!  وما عرفنا من علاقة وفساد من سقط من الحكام العرب يثبت أنهم كانوا مطيعين جدا للأجندة الغربية ومخلصين لها .

خطة التآمر :- أو الخطة التطبيقية للتآمر , أو كيف تطبق المؤامرة ؟  هنا يظهر العوار والخطأ الكبير لهذه النظرية , فالثورة التي حدثت , إنما حدثت في الشارع العربي , والشارع العربي كان مرهونا للطغاة ولمؤيديهم , سواء إعلاميا أو تعليميا و في كل مناحي الحياة اليومية , فالطغاة يسيطرون على كل الجوانب والنواحي , فكيف وصلت الخطة التطبيقية وفي وقت واحد لكل الشعب , بمختلف المناطق وبمختلف الفئات ؟ هذا ما لم يستطع المؤمنون بالنظرية شرحه لنا إلا بالقول أن الإعلام العابر للقارات  مثل الجزيرة والعربية والحرة والبي بي سي والسي أن أن وغيرها قامت بافتعال حركات وتشويه أحداث , مما ولد ثورة شعبية , وسأرد على سخافة هذا القول في المقال التالي إن شاء الله , ولكن أقول فقط , الإعلام الداخلي والكثير من الإعلام الخارجي كان يمجد الطغاة ولم يكن ضدهم , والإعلام لا يصنع الحدث , إنما ينقله .

الهدف من التأمر وهو العنصر الرابع في نظرية المؤامرة , وكلنا يعلم أن الهدف من التأمر يكون اقتصاديا في المكان الأول , ونعلم كذلك أن الاقتصاد العربي كان منذ عهد إسماعيل باشا في مصر رهنا للمصالح الغربية , ولم يتحرر , وكانت الشعوب العربية تتوق للتحرر من هذه التبعية , لذلك رأينا أن حدث مثل تأميم قناة السويس , أو تأميم البترول في بعض الدول أثرا كبيرا في الشعوب العربية  التي كانت تتوق للحرية , وما ادعاء القذافي انه قام بإخراج القواعد الأجنبية من ليبيا إلا دغدغة لهذه الرغبة . وهذه الإدعاءات ثبت كذبها ,  فالاقتصاد العربي كان وما زال رهن بالمصالح الغربية , والقرار العربي رهبن للغرب , ولن يخرج من عنق الزجاجة الغربية إلا إذا تحققت رغبات الشعوب العربية بالحرية  والكرامة ,

وهكذا نجد أن العناصر الأربع لا تعمل أبدا في صالح من يقول أن الذي يحدث في العالم العربي هو نتيجة مؤامرة  غربية , على الحكام العرب , بل هي نتاج للخضوع الرسمي والحكومي العربي للمصالح الحيوية العربية , والانبطاح التام للحكام العرب أمام الغرب , وتوليهم وبشكل رسمي حماية المصالح الغربية , وتغليبها على مصالح شعوبهم , هذا هو السبب الرئيسي للثورات العربية التي حدثت أو التي ستحدث , فالحاكم العربي الذي يخطئ بتغليب مصلحة الغرب على مصالح شعبه سوف يزول .  وهذه ليست نظرية بل هي حقيقة ثابتة .

ثورات الشعوب , هي نتاج للمعاناة , ونتاج عدم ثقة ,  ونتاج لسوء التخطيط الحكومي , ونتاج للفساد الرسمي , وسوء استعمال الموارد الوطنية , وتغليب المصلحة الخارجية ومصلحة الحاكم وأسرته وبطانته على المصالح الوطنية , وهو كذلك نتاج لصبر طويل , صبره الشعب , ولكن هنالك دائما نهاية للصبر , وقد حانت النهاية للبعض واقتربت للبعض الآخر .
فأرجوكم يا مثقفينا ومفكرينا , ارحمونا من نظرية المؤامرة السخيفة عقلا , والمستحيلة منطقا , فالشعوب لا يمكن أن تتحرك نتيجة مؤامرة , الشعوب تتحرك نتيجة  إيمان بقضية  , والإيمان لا يأتي نتاج مؤامرة , إلا أن كان المتآمر يخطط أن يعطي للشعوب حريتها ويعطيها كرامتها , ويحترم قرارها في كيفية استخدام مواردها , وبالمقابل يعرض مكتسباته في وطننا ومصالحة للخطر , هل يعقل هذا ؟ فإذا كانت المؤامرة هي كذلك , فانا أول المتآمرين ,

وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان


هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم
    أخي كثيرا اتردد عن الخوض في الحديث عن المؤامرة ولي بعض الاراء حول الأمر
    ولكني أود عدم التطرق لها في الوقت الحالي لحساسية الموضوع
    ثم حتى لا يستغل الإعلام الموالي للطغاة أمثال السوري والجزائري وغيره ما نكتبه لتدععيم موقفه
    فلهذا أحجم عن الحديث مؤقتا
    تحيتي لك أخوك رياض عبد الله

    ردحذف
  2. اعتقد انك اخرهم ولست اولهم ؟؟

    ردحذف

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام