بعد أن قام أحرار بنغازي بهدم تمثال جمال عبدالناصر , وقبلها بل ومنذ زمن طويل كانت هناك الكثير من محاولات التنصل من القومية العربية , ونفيها ,فالبعض ينادي بالقطرية , وتثبيت الانقسام , فالمصري مصري فقط والسوري سوري فقط والعراقي عراقي فقط . وينسون ان هذه الدول ستكون ضعيفة جدا حين تتعرض للخطر , وتفقد بعدها وعمقها الإستراتيجي .
وبالطبع كانت هنالك محاولات كثيرة سابقة بإلغاء تسمية "العرب" , حيث أن كلمة عرب لم ترد في القرآن الكريم إلا لوصف اللغة العربية ولم تأتي بذكر من يتكلمها , ولذلك نجدهم يحاولون إحلال القومية الإسلامية مكان القومية العربية .
فهم لا يذكرون حديث الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم " لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ " .
ولا يذكرون هؤلاء ما تكلم به العرب ومنهم صحابه رسول الله , فيحضرني قول سيدنا معاوية بن أبي سفيان أحد كتبة الوحي : «والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به» . هنا بهذا الحديث والأثر يثبتان إن العرب قومية , وأناس يخاطبون , وكأني مع هؤلاء اثبت المثبت , وآتي بدليل على وجود البديهي . بل وأنهم الأجدر بالقيام بالإسلام . وهذا ليس رأيي بل رأي احد كتبة الوحي .
ونذكر أن عمر بن الخطاب اقر بأن العرب قوم بقوله "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله" , فالعرب قوم وعزتهم بالإسلام ويا لها من حقيقة .
ونقول , ماذا نسمي أهل الجزيرة العربية ؟ ولا اقصد أهل الجزيرة العربية اليوم فقط , بل اقصد ما قبل الإسلام , كانوا قبائل يربطها النسب , عدنان و قحطان , ومنها خرجت خمس هجرات كبيرة , فأسست الحضارة في العراق والشام , ومنها الحضارة البابلية والفينيقية وغيرها كثير , وتأثير هاتان الحضارتان وغيرهما كبير . لا أظن أن هنالك تسميه لهم إذا ألغينا تسمية القومية العربية , وسنتخلى عن روابط كثيرة تربط الإنسان العربي في عمان بأخيه في موريتانيا , والعربي في اليمن بأخيه المغربي .
بالطبع الإسلام رابطه , وأخوة , وحبل من الله متين , من تمسك به نجا ومن تخلى عنه هلك , لا خلاف أبدا على ذلك . فأرجوا أن لا نجادل في هذا ومن جادل به خسر .
ومحاولة الإيحاء بان القومية العربية تنافي القومية الإسلامية , وجعل الصراع بين هاتان القوميتان , لا أظنها تسير في صالح الإسلام نفسه , بل هي محاولة لإذابة لب الإسلام وجوهره , فكم يصعب الجمع بين الاندونيسي والباكستاني والإيراني والعربي إن فشلنا في جمع من هم اقرب .
العربية ليست تفضيل , فنحن لسنا أفضل من الآخرين , إنما نحن متقاربون اكثر من الآخرين , فها هو المسلم الليبي يذهب لسوريا ليقف إلى جانب إخوانه السوريين , ولا نجد غضاضة في أن نطلق على أنفسنا سوريون أو ليبيون أو سعوديون , ونضيف إليها أننا سوريون عرب مسلمون , وليبيون عرب مسلمون , وسعوديون عرب مسلمون , نتجه من الرابطة الأصغر إلى الرابطة الأكبر , وأنا أقول أنا سعودي تميمي عربي مسلم , وقد تزيد الصفات , ولكنها لا تتعارض ,
وهي ليست للتفضيل والعصبية كما نراها في القومية الآرية التي يؤمن بها النازيون قديمهم وحديثهم أو القومية البولندية وغيرها من الفكر التعصبي الذي بدأ ينتشر في أوربا ولكن للتعريف , ولتحمل مسئولية , فقد قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } فكلما اقترب منك الإنسان زادت واجباتك نحوه , له حقوقه الخاصة به والتي يجب أن لا نفرط فيها .
فالخطأ هو التفكير الإسلام والعربية تتضارب وتتعارض . فالعلاقات التي تربط الإنسان في محيطه كثيرة وهي كالدوائر التي تتداخل وتتصل في نقاط وتنفصل في نقاط أخرى . فهنالك الكثير مما يربط المسلم السعودي بالمسيحي المصري , ولا يمكن أن ننفي هذه الروابط ,
بالطبع لا أتكلم عن أهميه دور كل رابط , بل أتحدث عن وجوده من عدمه . هل الرابط هذا موجود أم لا ؟
العرب موجودون , ونحن شعب عربي واحد تم تقسيمه إلى أقاليم بخطة استعمارية قبيحة , تربطنا الكثير من الصلات , يربطنا الدين واللغة والتاريخ والثقافة والدم والجغرافيا والمصير المشترك .
والغريب أننا نجد أوربا المقسمة والمختلفة أصولها وتاريخها ولغاتها تجتمع محاولة تكوين كيان أوربي واحد , لا يربطه إلا الجغرافيا . ونحن لدينا كل هذه الرابط ونحاول أن نلغيها ؟؟
الخطأ ليس في الإقرار بوجود القومية , وليس في الروابط نفسها , فالعربي هو من تكلم اللغة العربية كلغة أم , ولهذا دخل أقباط مصر و كلدان سوريا وآشوريي العراق فيها , ويربطنا معهم التاريخ المشترك ويربطنا معهم الثقافة المشتركة ويربطنا معهم الحضارة المشتركة والجغرافيا .
إن الخطأ كما قلت ليس في النظرية وليس في القومية العربية , بل في الطغاة الذين كانوا ينادون بها وهم يسيرون عكسها , ولنضرب مثلا يقرب للأذهان معنى قولي , فمثلا نجد الآن أن بعض الغرب يعادي الإسلام , ويضرب أمثله في ما يفعله المسلمون كسبب لمعاداة الإسلام , بينما الخطأ هو في التطبيق . فلا تحملوا القومية العربية أخطاء طغاة أساءوا لكل شي , للوطن وللمواطن وللإسلام وللمسلمين وللعرب .
العربية ليست مفاضلة بين عرق وعرق آخر , العربية هي رابط بين كل الناس الذين يتحدثون العربية كلغة أم , وبالطبع نجد بينهم علاقات أخرى غير اللغة وهي الرابط الأقوى , نجد الجغرافيا أيضا رابط قوي , نجد التاريخ المشترك كرابط مشترك , بالضبط كما هي الروابط بين الأمريكيين , فمع أنهم من أصول شتى ولكن توحدوا كأمه , فأمريكا حجما , اكبر من كل الدول مجتمعة , وعددا , اكثر من كل الدول العربية فهم 52 دولة والعرب 22 دولة , وسكانا هم اكثر من كل الدول العربية . ومع ذلك نجدهم انصهروا في قومية واحدة .
يجب أن يخرج تفكيرنا من أن العلاقة بين العربية والإسلام هي علاقة مفاضلة , ونعيد فهمهما كما فهمها عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما , وهم من خيرا القرون وخير من فهم الإسلام , هي علاقة تكامل , يكمل الإسلام العرب بالعزة والكرامة , ويكمل العرب الإسلام بالقيام به فهم أهل لغته ونزل فيهم . هذه العلاقة الأبدية التي لن ولم تنحل حتى يرث الله الأرض وما عليها . توقفوا عن المفاضلة بينهما وفكروا في تكاملهما .
نحن امة إسلامية كما قال ربنا , فيها العربي والهندي والاندونيسي وغيرهم كثير , كلنا نكمل بعضنا . ونحن أمة واحدة . ولكن إن كنا نحن العرب , ومن نزل الإسلام فيهم أولا وبلغتهم لم نستطع أن نتحد ونتكامل ونضع أيدينا بأيدي بعض , فكيف نتوقع إن تتحد الأمة كلها ؟ فان كان السهل صعبا , والقريب بعيدا , فكيف سيكون الصعب والبعيد ؟
إخواني من الأقباط و الأمازيغ والأكراد والزنج وغيرهم ممن يعيشون معنا , هم أخواننا , سواء أخوان لنا في الدين أو في الوطن , لا نتميز عنهم بشي , ولا نزيد عنهم بشي , كلنا أخوة , يربطنا التاريخ ويربطنا صلاح الدين الأيوبي وطارق بن زياد , والكثير الكثير , نحافظ على حقوقهم كما أمرنا الله ورسوله .
يخطئ من ينادي بالقومية العربية تعصبا , وأقول له دعوها فهي منتنة , ولكن يخطئ من يحاول إلغائها , فهي موجودة , وهي حرز للإسلام , وخط الدفاع الأول عنه , هذه هي القومية العربية , العربية التي أؤمن بها ,
تجمع ولا تفرق , مسئولية وليست افتخار , واجب وليس حق
أخوف ما يخاف منه واضعو القرار في العالم أن تتحد هذه الأمة التي تحتل ملتقى القارات أوربا وأسيا وأفريقيا . بها كل إمكانات نشوء أمة عظيمة . وأقول أن إتحادنا آت لا محالة بعون الله .
وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام