السبت، 15 أكتوبر 2011

الحاكم وفارق التوقيت



 لا أعلم لماذا نبتلى نحن وفي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرون المليء بالتقنيات الجبارة , لا يستطيع العقل استيعاب الكثير منها , قرن الاتصالات بكل تقنياتها الرائعة , نتواصل مع أي مكان في الأرض , مع أي إنسان في الأرض سواء كان في مجاهل غابات الأمازون  , أو في متاهة الربع الخالي , أكان في بيوت الصفيح في  قرى بنغلادش أو ناطحات سحاب نيويورك . 
تواصل واتصالات عبر تويتر و الفيسبوك والقنوات الفضائية ,  مما يعني حرفيا أن العالم أصبح وحدة واحدة , لا تفرقه لغة أو جغرافيا ,

لماذا نبتلى بحكام يقعون خارج هذه المنظومة ؟ حكام يتصورون أن إعلامهم سيغطي على سيل المعلومات التي تصل إلينا ؟
واسمحوا لي أن استعير تعبير استخدمه احد الأدباء الليبيين , لأنه يعبر تعبيرا صادقا  عن وضع الحكام العرب والشعوب العربية  "على الحاكم المقيم خارج شعبه أن يراعي  الفارق في التوقيت", فنجد ان هناك فارق في التوقيت بين الحاكم العربي وشعبه , فارق يصعب تجاوزه ,
ولنأخذ مثلا  من ثورات الربيع العربي لنبين كم حجم الفارق في التوقيت بين الحاكم العربي وشعبه ,

زين العابدين بن علي , بعد عقدين من الزمن من الظلم والبغي والنهب . خرج ليقول فهمتكم ويطلب من شعبه أن يغفر له كل أخطاءة , كأن هذه الأخطاء يمكن أن تغفر فقط باعتذار انه الآن فهمهم .
حسنى مبارك , بعد ثلاث عقود من تهميش الشعب وإذلاله ونهبه , خرج يقول " أعي " كأنما الثلاث عقود لم تكف له أن يعي , كان حقوق الشعب بحاجه إلى أن يوعيه احدهم لها .
معمر القذافي في ليبيا , خرج بعد أربع عقود يسأل شعبه " من أنتم" فهو لم يعرف شعبه خلال الأربع عقود , يعيش خارج التوقيت الشعبي
بشار الأسد , بعد عقود طويلة من حكم أبيه ثم حكمه , خرج يعد بالإصلاح  لكان توقيته متأخر عن توقيت الشعب بمقدار سنوات حكمة ,
علي صالح اليمن , تطور شعبه وأتقن لغة السياسة , وفهم لعبتها , ونبذ السلاح , ودخل في واحدة من أجمل الثورات , اعذروني على استعمال كلمة " أجمل " ولكن يصعب علي استعمال كلمة بديلة , فأكثر الشعوب تسليحا ينبذ السلاح ويتحول إلى مسالم , لم يستعمله حتى وهو يرى أخاه أو ابنه يقتل , هذا الشعب تطور ولكن حاكمه ما زال يعيش في فترة زمنية قديمة , فارق التوقيت كبير بين الحاكم والمحكوم , فارق التوقيت بينهم كبير جدا
هذا تحذير لكل الحكام العرب , تحذير قديم جديد , ففي كل العصور كان الحاكم يحاول جاهدا أن يكون فارق التوقيت لصالحة , يتلمس حاجات شعبه وتطلعاته ويحاول أن يحققها قبل أن يطالب بها شعبه ,
الشعب العربي تطور وتقدم , ولم يكن للحكام العرب أي يد أو فضل في هذا التطور , بل قد أقول أنهم حاولوا إعاقة هذا التطور وإبطائه أو منعه ما استطاعوا إليه سبيلا ,
ولكن انتشار العلم , وسهولة الوصول إلى المعلومة , وسهولة التواصل , التي تحققت بيد القطاع الخاص الغربي , جعل انتقال المعلومة والصورة ممكنا . وسهلا .
أصبحنا نعرف حقوقنا , أصبحنا نعرف ما لنا على حكامنا , أصبحنا نعرف ما يجب أن نكون عليه , أصبحنا نعرف كم من الزمن يتخلف حكامنا عنا , عرفنا أن حكامنا يعيشون في نطاق زمني مختلف عنا ,
هذا الاختلاف يتسع يوم بعد يوم , وسيأتي اليوم الذي سيسقط كل حاكم يعيش متخلفا عن شعبه ,
الشعوب العربية أصبحت تؤمن ان الحكام ليسوا  الآهة أو مفوضة من الله , وان ذاته مقدسه لا يجوز المساس بها , بل هو بشر , يخطئ ويصيب , يعمل لدى ألأمه ويخدمها , كما كان أبا بكر أو عمر رضي الله عنهما , فيقول احدهم وليت عليكم ولست بخيركم , ويقول الآخر "إن أخطأت فقوموني ",
أصبحنا نعلم أن الحاكم يجب أن يتحمل فساد بطانته , فهو من اختارهم , ولا يجوز أن يختار عامل من عماله ثم يتركه ينهب ويظلم , فعليه مراقبتهم والتشديد عليهم , بل ويجب أن يحاسبهم ويقسوا عليهم بمجرد الشبهة ,
أصبحنا نعلم إن على الحاكم أن يشركنا في القرار , وان نعلم لماذا قرر ما قرر , وان تكون هناك شفافية في النظام ,
أصبحنا نعلم أننا لن نصبر كثيرا على آن نكون مجرد خراف في "حوش أغنام" نأكل وننام , بل نحن بشر لنا حقوق وعلينا واجبات .
أي إن على الحاكم أن يعيش في فترة زمنية كزماننا أو تسبق زماننا , لا أن يعيش في فترة زمنية سابقة , فترة زمنية  قديمة , عندما كان الحكواتي هو وسيلة الإعلام وكانت الرسالة تأخذ أشهر لتصل إلى مستلمها ,.
وأنا اكتب هذا أرى واسمع ما يحدث الآن في اليابان وألمانيا وأمريكا وأستراليا , أشاهدها قبل أن يشاهدها بعض من يسكنون في هذه المناطق .
إن فارق التوقيت بين الحاكم والمحكوم , قنابل انفجرت في بعض البلاد , وستنفجر في بلاد أخرى , ستنفجر إما عاجلا أو آجلا .
سيتحمل الشعب التضحيات لكي يجد حاكما موظفا , يعيش في نفس الفترة الزمنية التي يعيش بها , قد تكون التضحيات جسام , وقد تكون كبيرة , ولكنه سيتحملها ,
فقد حكام عرب كراسيهم وتحمل الشعب التضحيات , ويفقد آخرون كراسيهم ويتحمل الشعب التضحيات . وهناك حكام مازال لديهم الفرصة لكي يقوموا بالإصلاحات الضرورية  ومحاولة اللحاق بشعوبهم لكي لا يحدث ما حدث في مناطق أخرى , وعليهم أن يقوموا  بما يجب عليهم من إصلاح حتى لا يسحب البساط من تحتهم ,
قد يحلم , نعم يحلم , بعض الحكام أنهم محصنون ضد هذا المد , ولكن تذكروا كلمتي , لا يوجد تحصين لأي حاكم سوى إصلاح ما بينه وبين شعبه , لا بالكلمات ولكن بإصلاح عميق وبالقضاء على الفساد والشفافية , فالشعوب قد تصبر بعض الوقت ولكنها لن تصبر كل الوقت .
أتوقع أن لا تجد مقالتي هذه الكثير من الترحيب في الأوساط السياسية ولكني أدق جرس إنذار , أتمنى أن يفيق البعض ويعوا أن فارق التوقيت بين الحاكم والشعب  أصبح كبيرا ويجب عليه أن يجري بكل جهد ليلحق بشعبه ,
وعلى طريق الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان
كاتب مسلم عربي سعودي

هناك تعليقان (2):

  1. بارك الله فيك استاذنا الكريم ..المقال ذكرنى بقصة كانت مقررة علينا فى الشهادة الثانوية اسمه"the time machine" "آلة الزمن ".....الحمد لله رب العالمين الذى سخر لنا أناسا اخترعوا لنا أدوات تواصل تكنولوجية حديثة مث الهواتف النقالة والنت والفضائيات فلولاهم ما سمعنا فى العالم وما ثارت الشعوب العربية على حكامها ....

    ردحذف
  2. ام شهاب الدين16 أكتوبر 2011 في 7:37 م

    لوكان فارق الوقت هو السبب لكانت الشعوب تشتكي من الاصلاحات المتأخرة وليبيا خير مثال على ذلك فالاوضاع فيها تزداد سوءا سنة بعد الاخرى . يريد الحكام ان تكون شعوبهم خارج نطاق التغطية لذلك لم يفكروا بالتقدم خطوة واحدة .

    ردحذف

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام