الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

نظرات في آية حرب الأخوة


كلنا قرأ لآية الكريمة في سورة الحجرات التي يقول ربنا عز وجل فيها (بسم الله الرحمن الرحيم

((( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
بالطبع لن أفسرها , فللتفسير علماءه ورجاله ,ولكن أود أن انظر لها نظرة مسلم متمعن فاحص لدقيق معانيها,

يقول عز وجل (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) هنا نرى أن ربنا لم ينزع صفة الإيمان التي هي أعلى من صفة الإسلام من كلا الطائفتين, فكلتاهما مؤمنة مسلمة لا غبار على إيمانها أو إسلامها لم اقل أنا ذلك بل قاله ربنا جل وعلا, ومنها أيضا نعلم أن القتال بين المؤمنين قد يحدث , بل وحدث في خير القرون,  ففي عصر سيدنا على تقاتل الصحابة رضوان الله عليهم في موقعتي الجمل وصفين ,فلم تكفر إحداهما الأخرى, كيف يمكن ذلك وفي كلا الجانبين من المبشرين بالجنة, وكذلك قاتل سيدنا على الحرورية في موقعة النهروين ولم يكفرهم وقال رضى الله عنه عندما   سئل عن أهل النهروان أهم مشركون؟ قال: من الشرك فروا قيل: فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قيل: له فما هم؟ قال قوم بغوا علينا , فهو لم يكفرهم ولم يطعنهم بالشرك أو النفاق.
هذا يذكرني بما يحدث بين المسلمين من نزاعات يكفر احدهما لآخر ويجعله من عبده الطاغوت ومن المنافقين ومن المؤسف أن هؤلاء المكفرة من المشائخ والعلماء الذين يشار لهم بالبنان , كل فريق يكفر الآخر, وكم أعجبني فتوى الأزهر بعدم تكفير داعش.
ويقول ربنا اصدق القائلين (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) نعرف منها أن الإصلاح بين الطائفتين المسلمتين اللتين تقتتلان هو الخطوة الأولى في حل المشكلة الناشئة, وليس تحريض طائفة على أخرى ولا مناصرة طائفة على أخرى , بل السعي للإصلاح بينهم, بما يسمى بمصطلح اليوم عقد معاهدة أو اتفاقية صلح بينهم.
أما اليوم فلا نرى هذا من المسلمين حكومات وجماعات,بل نرى العكس, فكل حكومة تؤيد طائفة تتماشى مع سياستها ونظرتها إما سرا أو علنا, ونجد أن دور الإصلاح يرمي إلى الأمم المتحدة أو الإتحاد الأوربي, فأين منظمة المؤتمر الإسلامي وأين الجامعة العربية , لا حياة لمن تنادي.
تستمر الآية الكريمة بالقول (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) هنا ما نسميه الخطة ب أو ما يسمى بالإنجليزية (Plan B) وهو اللجوء للقوة, بشروطها ولوازمها انه يجب أن تبغي إحداهما على الأخرى , والبغي هو مجاوزة الحد, وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء فهو بغي  وكذلك تعني التعدي .
والجميل أن ربنا لم يقل عن أي من الطائفتين المقتتلتين بغاة, فالبغي بعد عقد اتفاقية الصلح لا قبلها, وهذا لا نجده اليوم, فكل شيخ تابع لأحد الطوائف المتقاتلة يسمي الأخرى بالباغية , بينما ربنا لم يسمها بذلك . فأين علم هؤلاء المشايخ, هل أعماهم انحيازهم إلى جماعتهم أو فريقهم إلى إلصاق تهمة لم يقرها الله في كتابه الكريم عن المقتتلين؟ ليتهم يتقوا الله ويرجعوا إلى كتابه الكريم ليتفهموا آياته, ويكون القران محور فكرهم . فالبغي بعد الصلح لا قبله.
والنقطة الأخرى الجديرة بالتفكير, هل تقاتل جماعة المسلمين مع الفئة المبغيَ عليها أم تبقى هذه الفئة بعيد عن القتال؟ هذه نقطة جديرة بالتفكر, لأن الأمر هنا كله لجماعة المسلمين فيغلب ظني أن أمر القتال هنا لجيش جماعة المسلمين لا يتدخل فيه الطرف الثاني حتى نخرج من  شبهة الانحياز لإحداهما.
أين حكومات العالم الإسلامي؟ لماذا لا يكون لها جيش مشترك لحل أزمات تقع هنا وهناك في العالم الإسلامي؟ لماذا يترك هذا الأمر لمجلس الأمن أو حلف النيتو؟ سؤال كم سئل ولكن لا حياة لمن تنادي
يقول الله عز وجل(حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)والقتال مع الفئة التي بغت ليس مطلقا ينتهي بإبادة تلك المجموعة أو مسحها عن الوجود, بل وقّْته ربنا بموعد وميقات , وهو أن تعود لأمر الله , والجميل انك لن ترى أمرا لله في هذه الآية وما قبلها وما بعدها يخص المتقاتلين ,فنعلم ضمنا أن اتفاقية الصلح التي وقعت بين الطرفين بشهادة المسلمين هي أمر الله , و يا لها من مسئولية, اتفاقية بين بشر تصبح أمر الله , أتعلمون لماذا؟ أصبحت أمر الله لأن الله أمر  بالوفاء بالعقود والعهود بقوله تعالى ﴿وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا﴾ فأصبح عقد الصلح من أمر الله. سبحان الله .
يقول ربنا سبحانه (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) فإذا رجعت الفئة التي بغت على معاهدة الصلح توقف القتال , ويجب العدل بينهم ,لا أن نجازي التي بغت على فعلتها ونحرمها ونسلبها حق من حقوقها ونظلمها بل يجب العدل بينهم, والجميل هنا ذكر ربنا أن جماعة المسلمين مأمورة ليس بالعدل فقط , بل بالقسط , والقسط هو العدل البيِّن الظاهر، أي لا يجوز أن يكون سريا أو مخفيا بل عدل واضح جلي. لا مواربة به ولا محاباة وأسرار. فربما  تمردت مجموعة من إحدى تلك الفئتين بسبب إحساسها بالغبن والظلم لأن العدل كان مخفيا, ولكن إذا كان عدلا واضحا جليا سيرضى الجميع وستنتهي المشكلة من جذورها
وتأتي الآية التي بعدها (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) لتركز على أن   علاقة جماعة المسلمين يجب  أن لا تتأثر بما حدث بل يجب تعامل الجميع كأخوة والمطلوب الإصلاح بين إخوتنا لا نحابي فئة على فئة وجماعة على جماعة .  لا إعلام يهاجم ولا سب لهذا أو ذاك وذكر معايب هذا ومحاسن ذلك , فعيب أخاك عيبك, وذم أخيك ذم لك.
ما أجمل الإسلام إن فهمناه حق فهمه وما أطيب المسلمين إذا اتبعوا قرآنهم ودينهم حق إتباع , وما ابلغ كلام ربنا الذي قال {ما فرطنا في الكتاب من شيء} نعم ما فرط ربنا من شي يهم المسلم في دنياه وأخرته إلا له ذكر وخطة وبيان, علمها من علمها وجهلها من جهلها , وما اكثر من يجهل دقيق معاني القرآن الكريم.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وصحبة أجمعين
صالح بن عبدالله السليمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام