السبت، 31 مارس 2012

فاتورة الربيع العربي



مر عام كامل على الربيع العربي الأول , حمل ألينا  هذا العام الكثير من المآسي والأحزان , وحمل إلى أيضا بشائر الانطلاقة العربية في طريقة الحرية وكرامة الإنسان , 

ولا بد أن نقيّم السنة التي انصرمت , وكيف سارت الأمور , ونخرج من الأحلام ونبدأ في سرد الحقائق , ويجب أن  تكون هذه الحقائق مجردة وليست أحلام وأماني,

أول حقيقة هي أن الشعب العربي كسر حاجز الخوف من السلطة , فقبل هذه الثورات كان المعارضون تحت رحمة أجهزة الآمن ولا مدافع عنهم , وحقوق الشعوب تؤكل ولا مطالب , حتى المطالبات بالإصلاح كانت على خوف أو استحياء , بل وكان الكثير ممن يطالبون بالإصلاح وليس بالتغيير عرضة للتشريد و للسجن والتعذيب والقتل . ولكن تغير ذلك الواقع وأصبح للشعب صوت مسموع وعصا غليظة يخافها الحكام .

الحقيقة الثانية , أننا شاهدنا أول انتخابات نزيهة في عالمنا , فقبلها  كانت نتائج الانتخابات تطبخ في مطبخ الحكام , ويجري التزوير على قدم وساق , نجد الآن أن انتخابات الربيع العربي كلها , سواء في الدول التي ثارت أو التي لم تثر كانت نزيهة وشفافة , وعكست الرغبة الشعبية كما هي .

الحقيقة الرابعة تمثلت في ظهور الأحزاب الإسلامية للعلن , بل وسيطرت على المشهد السياسي , ولا أعلم هل هذا بسبب اقتناع الشعب ببرنامجها السياسي , أم نكاية بالأنظمة السابقة , حيث كانت ممنوعة ومحظورة ويطارد أعضائها وقادتها , وهي الآن تتولى قيادة تونس ومصر والكويت  . ويجب أن ننتظر فترة من الزمن لنستطيع الحكم هل اختيارها كانت بدافع الانتقام الشعبي من الأنظمة السابقة أم باقتناع بالبرنامج السياسي .

الحقيقة الخامسة , لقد تعرف العالم على الشعوب العربية ولم يعرف قبلها إلا الحكام العرب , فلقد مر زمن كان عالمنا مختفي تحت عباءة السلطة , والعالم الآخر لا يعرف إلا الحكام , وكان اسم الحاكم هو تعريف للدولة , فتونس بن علي , ومصر مبارك , وليبيا معمر , أما الآن فأصبحت الدولة والشعب تعرف بمعزل عن من يحكمها .

الحقيقة السادسة , بدأت النظرة السياسية والاجتماعية تتغير في الكثير من الدول العربية للحاكم , كان الحاكم هو شيخ القبيلة أو رب الأسرة , هو الأب أو الأخ الأكبر أو الرمز المخلص , ويحظر  نقده أو لومه على أي فشل , أما اليوم فهو موظف عام يصيب ويخطئ و ينتقد ويلام , وأزيلت الهالة المقدسة التي كانت تحيط به .

الحقيقة السابعة , ظهر وعي سياسي جماهيري كبير في دول الربيع العربي , فبدأ تداول المصطلحات السياسية , مثل الفيدرالية والمركزية واللامركزية , والشفافية , والمحاسبة , والفساد , والانتخابات والبرامج السياسية والأحزاب , والكثير غيرها , وارتفعت نسبة المشاركة في الانتخابات , ولا نعلم هل هذا اقتناع بأهمية التصويت أم هو محاولة للمشاركة السياسية الحقيقية التي حرم منها طويلا , وسنرى  ذلك ولكن نحتاج لزمن أطول للحكم على هذه النقطة .

الحقيقة الثامنة , بدأت حركات المطالبة بالحقوق تزداد لدي الكثير من الفئات المهمشة  والمهنية , وبدأت حركات الاعتصام والإضراب تزداد وهذا ما رأيناه في الكثير من الدول العربية , وآخرها ما نشاهده في دولة الكويت , حيث اقتنع هؤلاء بأن الحقوق إن لم تنل بالتفاوض , فهنالك طريق آخر وهو الإضراب والاعتصام , وفي نفس الوقت نرى ان الحكومات أصبحت تتعامل بحذر مع المضربين أو المعتصمين , واختفت سياسة القمع والسجن .

الحقيقة الثامنة , من نتائج الربيع العربي ’ نرى أن الحكومات التي لم تقم بها ثورات بدأت تعطي مجال اكبر وتفسح مساحة اكبر للمعارضين وطالبي الإصلاح , بينما كان هؤلاء ملاحقون قبلها . وبدأت الكثير من الدول ببعض مظاهر الإصلاح ومحاربة الفساد . تحسبها لما قد يقع .


الحقيقة التاسعة , سقوط عصر الشعارات الرنانة , والتضحية من أجلها , وسقوط الكثير من المفكرين والكتاب الذين كانوا ينادون بها , وأصبحوا على نقيض ما كانوا ينادون به من شعارات , ووقفوا ضد الشعوب في ثورتها على الظلم والاستعباد . وتعلقهم بنظرية المؤامرة تعلقا غريبا ينافي أي قاعدة من قواعد المنطق ,

الحقيقة العاشرة , أهم ما خرج به الربيع العربي انه طبق القول , إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر , وقوله تعالى ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) , ووعى الشعب هذه الحقيقة , فانتشرت مؤسسات المجتمع المدني و الأحزاب , كلها تنادي بالإصلاح وتراقب المسئولين وتحاسبهم .

بالطبع ما زال الطريق طويلا أمام الشعوب العربية وما زال من المبكر الحكم  عليها  و وتقييمها و لكن بإذن الله سيكون  ازدهار الآمة ونجاحها في استمرار  شعلة الثورة على الظلم والفساد والتهميش , وستكون قوتها مستمدة من الله سبحانه وتعالى ثم بقوة إيمان شبابها .
وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي
صالح بن عبدالله السليمان

خاص بصحيفة ركاز - العدد التاسع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام