الخميس، 29 نوفمبر 2018

هم زائلون والشعوب باقية

بداية تعرفي على قناة “ الجزيرة “ كانت بعد اشهر من انطلاقها من الدوحة قطر, وبحكم عملي في المجال الإعلامي وخصوصا في الأفلام الوثائقية في اليابان كنت اشعر بالضيق الشديد من التأخر في القنوات الإخبارية في الوطن العربي, واذكر ان احد الإعلاميين اليابانيين الذي كان معي في زيارة لوطني " السعودية"  لتصوير فلم وثائقي, كان يسمي نشرة الاخبار في القناة الرسمية السعودية ب " نشرة المصافحة"  "Shake hands news" فقنواتنا الإعلامية سواء المرئي منها او المسموع او المكتوب لا تخرج عن كونها قنوات تطبيل للحاكم, لا تجد فيها اخبار تستحق, او تقارير إعلامية رصينة, واخذت دور الشاعر المداح قديما وتذكرني يقول الشاعر في الحاكم في ذلك الوقت :
فأنك شمس والملوك كواكب *** إذا ظهر لم يبد منهن كوكب.

وعندما تعرفت اول مرة على قناة “الجزيرة “ قلت انها خطوة ضرورية أتت متأخرة،( Long overdue step ) فالرقي والنهضة لا تأتي بالمدح والتطبيل بل تأتي بالإعلام الصادق الناقد، اعلام ينقد الأخطاء ويبين المحاسن بصدق دون مدح او تزييف للحقائق.
الاعلام يجب ان لا يكون طرفا في النزاعات، لذا تجرم الجهة التي تعرض حياة المراسلين الحربيين او غيرهم من الصحفيين للخطر، ويضع المراسل ما يوضح مهنته على صدره او خوذته بالضبط كالمسعف والهلال الأحمر او الصليب الأحمر الذي ينقل الجرحى او يعالجهم. أي ان الإعلامي طرف محايد هدفه نقل المعلومة للجمهور وان يكون بعيدا عن التحيز فقد يكون هناك مراسل لنفس القناة في طرفي القناة.
اهم ما يجب على القناة الإعلامية هو الحياد ولا يحق للمراسل او الصحفي ان يتعدى الحقيقة ويتحيز الى أحد الطرفين المقاتلين، وان يظهر الاخبار كما هي لا كما يحب هو ان تكون، وان يلتزم بالحقائق.
الإعلامي المتحيز يفقد مصداقيته لأنه يكون أحد طرفي النزاع.
الإعلامي يجب ان لا يكون على عداء لا مع مصادر الاخبار ولا مع المشاهدين من مناطق معينة، ويجب ان تكون رائحته مقبولة فلا يحمل رائحة تحيز تزكم الانوف وتنزع عنه المصداقية التي يجب عليه المحافظة عليها.
وما اراه من تحيز واضح وبيّن للكثير من الإعلاميين ضد دول الخليج وخصوصا المملكة العربية السعودية، أرى ان “الجزيرة “خرجت من دورها كقناة إعلامية تنقل الحقائق وتبين العيوب والمحاسن الى قناة متحيزة 100% بل أصبحت وتخالف أدني قوانين المنطق.
حكومة قطر ( مالكة قناة “ الجزيرة “) تقيم علاقات تطبيع كامل مع الكيان الصهيوني من زيارات متبادلة بين كبار المسئولين القطريين الى تل ابيب ويقابلها زيارات من اعلى المستويات لمسئولين إسرائيليين الى الدوحة, ولم نسمع من قناة “ الجزيرة “ التي قام نتنياهو بزيارة مقرها في الدوحة واجتمع مع كبار المسئولين فيها,  لم نسمع أي رفض او نقد لسياسة التطبيع, بينما نجدها تتهم السعودية بذلك, بناء على تقارير لا مصدر موثوق بها, او بناء على اشاعات او مقالات رأي لبعض الأمريكيين او الإسرائيليين او العرب, ولكن لا دليل صلب فيها, اتهامات للسعودية بالرغبة في التطبيع السعودي الإسرائيلي, " رغبة " فقط بينما نرى وفدا رياضيا سعوديا يبتعد عن الوفد الإسرائيلي الذي  حاول التقرب منه والتقاط صورة الى جانبه, ووزير الخارجية السعودي يرفض حتى التصريح لقناة إسرائيلية في نهاية احد الاجتماعات, وما اخذ على السعودية هو سماحها لطائرة تجارية هندية (ِAir India) بالمرور في الأجواء السعودية في طريقها الى إسرائيل. وهذا حق تكفله القوانين الدولية، فإما سماح للكل او منع للكل في حالة المقاطعة التامة للدولة مالكة الطائرة. هذا المرور اخذ من “الجزيرة “ أيام وايام من الاخبار المنشورة والمقابلات والبرامج الحوارية.
تتهم السعودية بصفقة القرن، والى الان لم اقرأ أي شرح ما هي صفقة القرن، وما هي بنودها وكيف اتهمت السعودية بها. ومن اين اتى مثل هذا الاتهام. قضية مبهمة واتهام مبهم ليس مبني على أي دليل مادي. بينما الدولة المالكة للقناة تقيم علاقات كاملة مع إسرائيل، والفلسطينيون يتهمون تركيا بالضغط عليهم للتطبيع مع إسرائيل، الأصابع الحقيقية تشير الى تركيا وقطر، بينما قناة “ الجزيرة “ تشير الى السعودية بدون ادله.

وفي أحد البرامج الحوارية يتهم فيصل القاسم مقدم البرامج في “ الجزيرة “ ان السعودية لم تمد يديها ولو بدولار واحد للفلسطينيين، وهذا ادعاء اقل من يقال عنه انه كاذب، ولا اظن فيصل القاسم او المحررين الكثر في قناة “ الجزيرة “ لا يعلمون حجم المبالغ التي ساعدت بها السعودية الشعب الفلسطيني، فمن المعروف والمنشور ان المساعدات السعودية بلغت حوالي 6 مليار دولار ما بين عام 2000 و2017, مما يجعلها من الدول العشر الأوائل والأكثر مساعدة للشعب الفلسطيني، وقناة “ الجزيرة “ تدعى ان السعودية لم تدفع دولار واحد.


“ الجزيرة “ التي رحبت بوجودها عند انشائها وقلت انها خطوة كانت مستحقة وجاءت متأخرة أصبحت اليوم أسوأ من قنوات اخبار المصافحة، وسقطت في مستنقع عدم المصداقية وعدم الحياد.
كم اشتاق لوجود قناة إخبارية تذكر الحقائق كما هي لا تعادي ولا تناصب الدول العربية العداء لأجل العداء، ولا تكون خصما بل ناقلا، ناقل للأخبار والتقارير، لا مزيفا لها ومزيفا للوعي العربي الذي كفاه تفرقة.
نعم كفانا تفرقة، كفانا تشظيا، فوالله لن ننجو كأمة ونحن مفرقون متعادون، فقوتنا في وضع أيدينا مع بعض ويكفينا قول " اتفق العرب على ان لا يتفقوا".
قناة “ الجزيرة “ كانت خطوة في الطريق الصحيح ولكنها للأسف انحازت. هذا الانحياز ظهر في عدائها ليس للحكومة السعودية بل للشعب في الخليج وخصوصا السعودية، فنجد مقدمي برامجها يتهمون المدافعين عن السعودية بأنهم ذباب، بل وقالت غادة عويس مقدمة البرامج في “ الجزيرة “ عن المغردين السعوديين في تويتر بأنهم ذباب حتى ولو كانت حساباتهم موثقة، وأيدها في هذا جميع مقدمي برامج القناة.
تحولت القناة من قناة إخبارية هدفها نقل الخبر الصحيح ونقل الآراء حول الواقع والوقائع الى قناة تعادي الشعوب المخالفة لها بالتوجه، وانتهى معنى قناة " الرأي والرأي الآخر" وأصبح من يخالفها ذباب، ومن يرد عليها ذباب ومن يبين اخطائها ذباب.
لا رأي ورأي آخر بل هو بين رأي ورأي ذباب.
ولكن كما ان الحكام زائلون والشعوب باقية، أقول بان الاعلاميون زائلون والشعوب باقية, وان القنوات زائلة والشعوب باقية, فالشعوب هي من سيبقى في نهاية المطاف وسيذهب كل من يقف امام الشعوب الى مزبلة التاريخ و يا لهذه المزبلة كم ستحمل من اعلامنا.
صالح بن عبدالله السليمان

 مستشار لحماس قلب الطاولة على الجزيرة ويقر بان تركيا هي من ساوم الفلسطينين




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام