الأحد، 18 نوفمبر 2018

عجائب الفكر العربي

من يطلع على النتاج الفكري لنا نحن العرب مؤخرا سواء في الكتب او الصحافة نجد فيه عجائب وغرائب لا نعلم كيف أصبحت من متلازمات الفكر العربي.

نجد الكتّاب الذين ينادون بالليبرالية هم أكثر الناس يحاربون حرية المسلمين باتباع معتقدهم.
والكتّاب الذين ينادون بحرية الفكر هم أكثر الناس محاربة لمن يخالفهم في الرأي.
والكتّاب الذين ينادون بحق الشعب في الاختيار هم أكثر الناس انتقاد إذا كان خيار الشعب لا يعجبهم.
والكتّاب الذين يتكلمون بالدين هم أكثر الناس حربا على من يخالفهم في رأي فقهي.
والكتّاب الذين ينادون بتقبل المختلف فقط إذا كان هو المختلف عن المجموع. وويل للمختلف إذا كان هو الأكثرية
نجد بعض ممن كانوا ينادون بحرية الفكر وعندما استلموا السلطة كان مخالفيهم أول ضحاياهم.
هذا الداء العجيب انتقل من النخبة الى عامة الناس وهكذا أصبح لدينا ليبرالي لا يطبق الليبرالية. ومتحرر يكره الحرية. ومؤمن بحق الشعوب يعمل على كبتها. ومتدين لا يقبل الا دينه هو.
هذه من عجائب الفكر سواء النخب او عامة المجتمع، لا ننادي بشي الا إذا كان لنا، وحسب مقاسنا وطبقا لما نراه، لا نؤمن به كمطلقات وعموميات تصلح للجميع ويجب ان يطبق على الجميع.
قبول الاخر، وتقبل المختلف، نؤمن بالفكرة او المعتقد ولكن لا نطبقه على أنفسنا.
اشعر بهذا لأني أقف دائما الى جانب الأقلية، والى جانب الفكرة وليس من تنطبق عليه الفكرة،
واذكر انه بعد تحرير طرابلس الغرب من نظام القذافي كتبت (وكنت القب ب "كاتب الثورة الليبية") مقال انه لن تتحرر ليبيا حقا الا إذا أصبح من حق مؤيد لنظام العقيد القذافي ان يقف في الساحة الخضراء (الان تسمى ساحة الشهداء) ليتكلم بما يظنه الحق والصواب وان يناقشه من شاء ولكن يجب ان يشعر بالأمان على نقسه وحريته والا يعاقب على فكره. 
بعد نشر هذا المقال هاجمني بعض الاخوة واتهمت اتهامات لم أكن احسب ان أحد سيفكر به، اتهمت باني من فلول نظام القذافي، واتهمت بالخيانة واتهمت بالجنون وغيرها، كل هذا لأني ناديت ان من حق من اختلف معي في الرأي حقوق كما ان لي حقوق، وله حرية في الفكر كما ان لي حرية في الفكر.
وحدث أيضا اثناء نقاشي مع بعض اخواني في الجنوب العربي, وقلت ان استقلال الجنوب يجب ان يكون من خلال استفتاء عام لأهل الجنوب, وذلك بعد التخلص من الانقلاب الحوثي, وان الوقت وان تخيله البعض مناسب للمطالبة بالاستقلال, الا انه غير مناسب ابدا بل وسيفتح بوابة التدويل للقضية اليمنية وان المشكلة ستتحول الى شبيه لمشكلة ليبيا, وسيكون السلاح هو الحكم والخسائر ستكون على ظهر المواطن الجنوبي خصوصا واليمني عموما, حينها لم يناقشني احد حول صحة الرأي ولكن اتهمت باني من الإخوان المسلمين, واني من المريدين للشمال وأني لا اعرف تفاصيل القضية الجنوبية, هجوم كان علي شخصيا وليس على الفكرة.
هكذا نحن وللأسف، ننادي بفكرة طوباوية، فكرة جميلة مثالية، نحب سماعها وتكرارها ولكن للأسف لا نحب تطبيقها الا إذا كانت لنا فائدة مباشرة من التطبيق، اما ان يستفيد مخالفنا من تطبيقها فهذا ما نرفضه ونقف امامه.
مخالفنا دائما خائن، مطبل، مرتزق، او كما كتب عني أحد المعلقين لأحد مقالاتي، ولأني خالفت رأيه ومعتقده، وانه من الإجرام مخالفة هذا المعتقد كتب يقول: "(الكاتب) او (الصحافي) المطبل المتطاول المتجسس يسيء لمسمى كاتب وصحافي؛ أضف الى ذلك المخبرين الذين يعملون لصالح أنظمة مخابرات حكام الظلم والظلام."
بالطبع ضحكت وانا اقرأ تعليقه، فانا مطبل، متطاول، متجسس، مخبر، اسيئ للصحافة. كل هذا لأن ما كتبت مخالف لما يعتقد، لم يناقش فكره ولم يطرح رأيا بل هاجم شخصا.
للأسف معظم من له أفكار او معتقدات حديه، هم ضحايا اعلام احادي الاتجاه، وبنى رايه على الأحادية الفكرية، احاديه تقول " انا الصواب وما عدا ذلك خطأ" مما جعل مثل هذا ضحية جهل، الجهل الذي قال فيه الفيلسوف والمفكر العربي ابن رشد: "الجهل يقود إلى الخوف، الخوف يقود إلى الكراهية، الكراهية تقود إلى العنف، هذه هي المعادلة" 
نقول الناس "أعداء لما جهلوا" عدونا الجهل، وكم من متعلم جاهل، ومعرفة نصف العلم أخطر من الجهل. او هو الجهل الخطير، لأنه جهل يتخفى بثوب العلم.
ليس من صالح الامة انتشار مثل هذه العاهات، بل من صالحها تقبل الآراء الأخرى ونقاشها، والتزود بالعلم الحقيقي، العلم من جميع الاتجاهات.
إذا لم نكن كذلك او لم نصبح كذلك فقل على الأمة السلام، فالتنوع الفكري والسياسي واختلاف وجهات النظر هو صحة للمجتمع وصحة للفكر الإنساني، وإذا لم تتقبلني فانا موجود بالرغم منك، لن تلغيني من الوجود، ولكن ان تقبلت وجودي فسنسير جميعا في طريق النهضة والتطور والتقدم، وسأضيف حرفا الى سجل تطور الأمه وستضيف انت حرفا الى هذا السجل.
اما ان شغلت نفسك بسب وشتم المخالف لفكرك ورأيك، فانت الخاسر الأكبر، فالقافلة ستسير وتتركك في مكانك تبحث عن عيوب شخصي ولن تعمل على إيجاد أخطائي وتنصحني ولن تطرح رأيك وفكرك فتترك لي المجال لكي اعرفك، واعرف فكرك ورأيك واناقش هذا الفكر وابين صوابه وخطأه حسب رأيي. ويكون الفكر الى الفكر والرأي الى الرأي نور على نور.
انا هنا لا ادافع عن رأيي ولا عن فكري، بل اظهر بعض العجائب في الفكر العربي الذي ينادي بأمور وهو اول مخالف لها ويطلب أمور ولكن لنفسه فقط ولا يحق لغيره الاستفادة منها.
احترم رأيك ولكن من حقي ان اطالبك باحترام رأيي، احترم شخصك ومن حقي ان اطالبك باحترام شخصي، والا فانت الخاسر ولست انا.
صالح بن عبدالله السليمان



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام