الأربعاء، 3 أغسطس 2011

الدولة العربية الحديثة وربيع الثورات

ما هو شكل الدولة التي نريدها ؟
هذا السؤال يتردد كثيرا ولا يشغل بال النخب العربية فقط  وبل وحتى الشارع العربي على سواء . فكل يحاول أن يشكل الدولة حسب المفهوم الذي درسه ويؤمن به , بعضهم يريدها مدنية ,  وهذا يريدها دينية , وهذا علمانية , وذاك يريدها اشتراكية ,وآخر يريدها رأسمالية, وغيرهم ليبرالية . ولكن المشكلة هي إننا لا نعلم ’ ولم  نتفق بعد على معني تلك المصطلحات , فأرى أن غياب الفهم الدقيق للمصطلح هو احد اكبر أسباب  الخلافات التي تملا الشارع العربي .

لقد سألت الكثيرين ممن يريدون أن يقيموا دولة ولها طابع معين عن تعريف هذا الطابع وما مزاياه وما مساوئه ؟
ما هي الدولة المدنية  والدولة العلمانية  والدولة الدينية والاشتراكية والليبرالية والرأسمالية ؟ وما الفرق بينهم ؟ ما عيوبها وما محاسنها ؟
ولكن كما يقال . وقف حمار الشيخ عند العقبة . ولم أحصل إلا على كلمات غير مترابطة ولا متسقة .
وأقصى ما استطاعوا فعله هو ضرب أمثلة ,  من إيران وطالبان إلى تركيا إلى فرنسا والصين والولايات المتحدة . ولم يبين أي منهم  ويوضح  لي ما هو المفهوم العربي (وليس الغربي آو الشرقي) لهذه المصطلحات . وهذا لا ينطبق فقط على من يؤمن بها بل والمضحك المبكي انه أيضا ينطبق على المعارضين لها . تجد الكثير منهم يعارض نظرية . وإذا سألته لماذا تعارضها ؟  أتى لك بأقوال لم يقلها أتباع تلك النظرية , وبشكوك وأقوال أناس يعارضون تلك النظرية . فيصبح معارضا لشيء يجهله !!

يجب أن يحدد مفهوم هذه المصطلحات عندنا نحن المسلمون العرب بكل خصوصياتنا إذ  الشعوب  تختلف في فهمها للمصطلح حسب تاريخها وعادتها وموروثاتها .
مما فهمته وأنا أناقش هذا الموضوع مع الكثيرين ووصلت إلى قناعة وهي إن هناك أملا في التقارب لو حددنا المصطلحات ومعانيها وأبعادها ,
ولنضرب  أمثلة واضحة .
الدولة الدينية , ضربوا لها أمثلة بنظام طالبان ونظام إيران , وكلها أنظمة قمعية متشددة تؤمن بأيدلوجية عدم التعايش مع الآخر , وهذه ليست أيدلوجية تتماشى مع الإسلام الحق , فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل المهاجرين الأوائل إلى حاكم نصراني , وكلنا يعرف أن النصرانية قد نسخت بنزول الإسلام  مع ذلك بعثهم ليستجيروا به . وقال الله سبحانه وتعالى عن النصارى آيات بينات {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى} ,  كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخدم اليهود في زراعة الأرض وأخذ منهم خراجها ولم يطردهم من المدينة إلا بعد أن كونوا ما نسميه اليوم عصابات إرهابية . ولكن المبدأ قائم , ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي .
والإسلام لم يأت بنظام سياسي محدد ليكون لنا الحق بالمطالبة بإقامته , بل أتى بقواعد عامة يتعايش بها المجتمع , مع مراعاة الفروق بين المجتمعات القديمة والحديثة , وأكبر دليل على أن الإسلام يقبل التعايش أن الخليفة الثاني رضي قبل أن يأخذ الجزية من المجوس وهي ديانة غير كتابية , والجزية تعادل ما نسميه اليوم ضريبة الدخل , ولم يظلم بها غير المسلمين , إذ أنها  تسقط في حالتين , حالة عدم القدرة على توفير الأمن والدفاع عن المجتمع الغير مسلم , والحالة الثانية هي مشاركة غير المسلم للمسلمين في الدفاع , بينما المسلم تجب علية الزكاة والتجنيد الإجباري ,
إذن الجزية والزكاة والتجنيد الإجباري هي مساهمة من جميع أفراد المجتمع في الواجبات , وغير القادر على العمل من غير المسلمين يحق له أن يأخذ ما يسد حاجته من بيت مال المسلمين ,
إذن نخلص إلى أن هذه الدول التي ضربت لها أمثلة كنظام إسلامي هي ليست إسلامية 100% بل تأخذ من الإسلام ما يروق لها .

أما الدولة العلمانية وهي (بفتح العين وليس بالكسر كما تنطق دائما) فهي لا تنسب للعلم بل تنسب للعالم أو الدنيا , ونشأت كتفرقة بين طرفين , الطرف الأول وهو من يؤمن بالسماء وبتعاليم الكنيسة وهي ما يسمى الدولة الدينية (لدى المسيحيين) ومن يؤمن فقط بالدنيا والمحسوس والملموس  ونشط الخلاف ين الفريقين بعد ظهور نظرية دارون المعروفة  بنظرية النشوء والارتقاء و ما يقابلها من نظرية الخلق
.  وهذه لم تكن عقدة لدينا نحن المسلمون , وإن كان بعض العرب يؤمن بنظرية النشوء والارتقاء ولكنهم قلة قليلة لا تؤثر في عموم المجتمع . بالطبع بعدها تطورت نظرية العلمانية ودخلت مجالات السياسة والاجتماع , وإذا ألغينا عنصر نشأتها فلا يوجد فيها ما يخالف الشرائع الإسلامية . بل وأقول إني قابلت الكثير ممن يؤمنون بالعلمانية دون أن يؤمنوا بنظرية داروين . فالإسلام يدعوا للتفكر ويدعو للتأمل والبحث والآيات في ذلك  كثيرة .
                                                                      
أما نظرية الدولة المدنية فلا أجد له أي مفهوم في العلوم السياسية ولكن حسب ما يقول أنصار هذه المقولة لا أجد فيها تعارضا مع الإسلام  ولكن يوجد عليها بعض القيود . وأظن أن دولة الخلافة في عهد سيدنا عمر بن الخطاب هي مثال على الدولة المدنية التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات , إذا كان هذا ما ينادون به وقولة  المشهورة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار " وقصاصه من عمرو بن العاص وابنه وإعطاء الحق  لقبطي  , ومراقبه للولاة وإنصاف الرعية منهم ومحاسبتهم حتى تقاسم النعل , هو مثال للدولة المدنية التي ينادي بها الكثيرون

أما الليبرالية فهو مفهوم غامض لدى العرب وحتى لدى الليبراليون العرب . فما هي اللبرالية ؟ هل المقصود بها الليبرالية التي ينادي بها الغرب . ونشأت وترعرعت عنده وحسب مقاسه ومفاهيمه ؟ أم هي ليبرالية حرية الفكر ؟  أم الليبرالية التي ينادون بها هي ليبرالية زواج المثليين وحق الإجهاض وغيرها مما ينافي أصول مجتمعاتنا ؟ إن كانت حرية الثانية  فهي لا يمكن ان تصلح لمجتمعاتنا وهي حركة ميتة قبل أن تولد ... أما إن كانت  حرية الفكر والاعتقاد فهذا لا يخالف الإسلام إلا في نطاقات ضيقة جدا  . 
فمثلا حق الرأي مكفول في الإسلام , ولكن الإسلام يحرم التجديف (وهو التعرض للمقدسات بسوء) . ولا ا ظن أن هدف الليبراليون هو التعرض لثوابت الإسلام . فحرية الرأي في الإسلام مكفولة في الإسلام ما عد الثوابت . وهي قليلة جدا , بل واقل من الغرب ففي الغرب يجرم من يتعرض للهولوكوست بالسجن وما حدث لـ "روجيه جارودي" مثال على ذلك , بينما نجد في الكتابات الإسلامية من تعرض لما هو  أعمق من ذلك بل وتعرضت بعض الكتب للقدح في بعض الصحابة رضوان الله عليهم بسبب حوادث طرأت . ولم نجد أن ولاة الأمر عاقبوهم , ولم تحدث في صدر الإسلام أن عوقب شخص على تبنية رأي يخالف رأي الحاكم . ولم نسمع عنها إلا في العصر العباسي الوسيط من فتنة الزنادقة وهي فتنة سياسية أكثر منها عقائدية وفتنة خلق القران وهي الفتنة العقائدية الوحيدة . ولم يكن علماء الإسلام هم المسئولون عنها بل هم علماء الكلام والمنطق .

أما الاشتراكية , فإن كانت الشيوعية تحت مسمى آخر فهي تخالف ابسط القوانين الطبيعية وفشل تطليقها في روسيا والصين ودول كثيرة حاولت ذلك . أما عن كان تقوم على مبدأ مشاركة الناس في الضروري من احتياجهم وما لا تقوم الحياة إلا به فهذا مبدأ إسلامي , فالناس  شركاء في ثلاث " الماء والكلأ والنار " (تخيلوا معي) الماء هو ماء الشرب والزراعة والأقوات . والكلأ وهو ما ينبت في الأرض ولا يزرعه الإنسان أي في الطبيعة وما يخرج من نبات إذا احتاج الإنسان إليه . والنار وهي الطاقة التي يحتاج إليها الناس في الطبخ والإنارة والتدفئة . هم شركاء فيها . كما أن الإسلام يمنع الاحتكار . وهنالك أوجه كثيرة تجعل من الاشتراكية إذا كانت تنادي بتوفير حياة كريمة لكل فرد في الأمة مقبولة جدا ويمكن للمسلم تبنيها وليس الشطط فيها .

النظرية الرأسمالية . أيضا مقبولة بحدودها الإسلامية . وحدودها معروفة من زكاة وصدقة ولا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع , والإسلام يمنع الاحتكار ويمنع الكثير من الممارسات الغير أخلاقية ولكنه يسمح بالتجارة الحرة وبتنقل رؤوس الأموال وبحرية المالك في التصرف بماله كيفما شاء بشرط عدم الإضرار بالمجتمع إضرارا بينا .

وهكذا إذا جلسنا نتناقش في كل هذه النظريات نجدها متقاربة , بالطبع أرجعت علاقة كل منها بالإسلام لأنه هو ضمير الأمة ,

نصيحتي لكل متبني لمثل هذه النظريات أن يضع تعريفا مانعا جامعا لها ,
نود أن نعرف بالضبط
ما هو الإسلام السياسي ؟ وما هو أهدافه ؟ وما هي أدواته ؟ وما هو المسموح فيه وما هو الممنوع ؟
نود أن نعرف ما هي الليبرالية وما هي أهدافها ؟ وما هي أدواتها ؟ وما هو المسموح به وما هو الممنوع ؟
وهذا ينطبق  على كل النظريات التي لا ننفك نسمعها . وكلّ يفسرها كيفما شاء ؟
نريد أن نحاسب  معتقدي كل نظرية حسب ما يقولون هم عن أنفسهم لا حسب ما يقول الآخرون عنهم .
نقطة أخرى . 
إلى النخب العربية . تكلموا لغة الشارع , جاهدوا من اجل إيصال  العلم إلى جمهور الناس , اتركوا التقعر والتحذلق وأتركوا استخدام المصطلحات الانجليزية والفرنسية واللاتينية  التي اشك أنكم انتم بأنفسهم تفهمونها .
فالقليل من يعرف معنى التكنوقراط او الثيوقراط او اتوقراط . حتى ان احدهم قال وهو يسمع محاضرة لأحدهم يسأل الناس الى جانبه . " يلعن أبو قراط هذا كم ولد عنده "
ولي لقاء آخر بإذن الله نتحدث عن شكل الدولة التي نريدها

صالح بن عبدالله السليمان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام