الثلاثاء، 19 سبتمبر 2023

ابي وقشور الجح ( البطيخ الأحمر)

 

في طفولتي عندما كان يدخل موسم فاكهة الجح ( البطيخ الأحمر)، كان أبي ( رحمه الله ) يحضر منها جحة للبيت، وكنا نجلس حوله لنشاركه طعمها العذب، كنا نحب هذه الفاكهة كثيراً، 

فكانت امي رحمها الله تقطع الجح وتقطع قلب الجحة

فكان يعطينا القلب منها، ويقوم هو بأكل ما التصق بقشورها!!

كنت أراقب هذا التصرف الغريب منه دون أن أعلم السبب ؟!

سألته يوماً : لماذا تأكل قشور الجح ( البطيخ الأحمر) يا أبي ؟!

نظر إلي بابتسامة وقال : ( آكلها أنا حتى لا تأكلها أنت )...

لم أفهم معنى كلامه في وقتها، وبرّرت الأمر بأنها قد تكون عادة قديمة اكتسبها من أيام عاشها في طفولته بين أحضان الفقر القاسي، وخصوصاً أن طعم قشور الجح ( البطيخ الأحمر) ليس سيئاً، ولكنه بصراحة لا يقارن بما هو فوق تلك القشور .

المهم ، مع الأيام نسيت أمر قشور الجح ( البطيخ الأحمر)، كما نسيت الكثير من الذكريات بين صفحات كتاب الزمن، إلى مدة قريبة عندما أهداني صديق لي جحة كبيرة، جلبها لي كهدية من القصيم ..

كنت - طوال الطريق وأنا متجه الى بيتي- أمنّي نفسي بالإستمتاع بطعمها الذي ينافس شهد النحل ، وبمجرد أن وصلت البيت بدأت في تقطيع الجحة ( البطيخ الأحمر) وهي تتفجر بين يدي بما تحتويه من لبّ احمر شهي وعصير ملكي !!

الحقيقة أني أحب تلك الفاكهة كثيراً !!

وقبل أن أضع أول قطعة منها في فمي، اقتربت إبنتي الصغيرة مني وقالت : أبي، أريد قطعة ؟

ابتسمت لطلبها واعطيتها الجزء الذي كان بيدي، وعلى الفور إقترب إبني يطلب مثل ما حصلت عليه اخته، ولحقتهما أختهما الثالثة تطلب حصتها تماماً كما حصَّل إخوانها.

كانت فرحتي بالنظر لهم وهم يمرغون وجوههم بقطع الجح ( البطيخ الأحمر)، والسعادة والفرح تشع من أعينهم كشمس الصباح الدافئة بعد ليلة شتاء قارص !

وفي لحظة وجدت نفسي أمام صحن خالي إلا من بعض قشور الجح ( البطيخ الأحمر) التي مازال عالقة بها أجزاء صغيرة من فتات الفاكهة الأصلية ..

بدأت بالتهام قشور الجح ( البطيخ الأحمر) دون تفكير ، الى أن توقفت فجأة لأتذكر كلمات أبي رحمه الله !!

الآن فقط بعد كل تلك الأيام والسنوات اتضحت لي معنى كلماته وماذا كان يقصد بعبارته، وغصّت اللقمة في فمي واغرورقت عيناي بالدموع.

الآن فقط علمت أن سعادة أبي الحقيقية لم تكن يوماً في أكل قشور الجح ( البطيخ الأحمر)، وإنما كانت سعادته الحقيقية في رؤيتنا ونحن ناكل أفضل جزء منها أمامه .

كانت فرحته الغامرة وهو يشاهدنا ونحن نحصل على أفضل وأنقى وأجود ما كان يقدمه إلينا في لحظتها.

وتساءلت حينها والدموع في عيني :

يا تُرى، كم من جحة قدمها لنا أبي واكتفى هو بمجرد قشورها ؟!

وأنا هنا لا أقصد تلك الفاكهة بذاتها، ولكن أقصد كل ما ترمز له في هذه الحياة !!

فالجح ( البطيخ الأحمر) قد تكون ملبساً، أو بيتاً، أو فراشا، أو نوماً مريحاً، أو تعليماً، وقد تكون أيضاً لمسة حنان على الكتف، أو قبلة على الوجه، أو مسح دمعة من على الخد !!

رحم الله ابي وامي واباء وامهات الجميع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام