الأحد، 14 سبتمبر 2025

ألف - باء السياسة

 بحكم دراستي للعلوم السياسية وانا محب لدراستها ودراسة نظرة الشعوب للسياسة، وكيف يتعاملون مع القضايا المحلية والدولية. لذلك في هذا الموجز بأذن الله سأجعلك تفهم السياسة كما يجب فهمها.

 السياسة، كما وصفها الفيلسوف الألماني بسمارك، هي "فن الممكن"، أي القدرة على تحقيق أفضل النتائج الممكنة في ظل الظروف والموارد المتاحة، وليست السعي وراء الكمال أو الأمثل الذي قد يكون مستحيلاً.

 هذا المفهوم يتطلب فهماً عميقاً للواقع، ومرونة في التعامل مع القيود، ومهارة في التفاوض والتسوية.

 لكن، متى يدرك العرب هذا المفهوم بشكل جماعي؟

 الإجابة تعتمد على عدة عوامل، منها:

التعليم السياسي،

التجربة التاريخية،

الوعي بالواقعية السياسية.

 متى يتحقق هذا الفهم؟

مع زيادة التعليم السياسي والوعي المدني:

عندما يتعلم الناس، من خلال التعليم أو وسائل الإعلام، أن السياسة ليست شعارات مثالية بل عملية تتطلب توازناً بين المثالية والواقعية. على سبيل المثال، الثورات العربية (2011) بدأت بمطالب مثالية مثل "العدالة الاجتماعية"، لكن غياب التخطيط الواقعي أدى إلى نتائج مخيبة في كثير من الحالات.

 

من خلال التجربة التاريخية:

التاريخ يعلّم دروساً قاسية. عندما تتكرر محاولات تطبيق سياسات مثالية دون مراعاة الإمكانيات، مثل محاولات الوحدة العربية في القرن العشرين (مثل الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا 1958-1961)، وتنتهي بالفشل بسبب القيود الاقتصادية والسياسية، يبدأ الوعي بأهمية "المتاح" يتشكل.

 

عندما يتقبل المجتمع التسوية كجزء من السياسة:

في الدول التي شهدت استقراراً نسبياً، مثل تونس بعد 2011، تم قبول التسويات السياسية بين الأحزاب المختلفة (الإسلاميين والعلمانيين) كوسيلة لتجنب الصراع. هذا يعكس فهماً لفن الممكن.

 أمثلة توضيحية على التسويات في عالمنا العربي:

اتفاقية كامب ديفيد (1978):

مصر، بقيادة السادات، اختارت التفاوض مع إسرائيل لاستعادة سيناء بدلاً من التمسك بشعار "تحرير كل فلسطين" الذي كان مثالياً لكنه غير ممكن في ذلك الوقت. هذا القرار، رغم إثارته للجدل، يُظهر السياسة كفن للمتاح.

 الإصلاحات في المغرب:

عندما اندلعت احتجاجات الربيع العربي، اختار الملك محمد السادس إجراء إصلاحات دستورية محدودة بدلاً من مواجهة ثورة شاملة أو التمسك بالوضع القائم. هذه الخطوة عكست فهماً لفن الممكن، حيث حققت استقراراً نسبياً.

 الوضع في لبنان:

غالباً ما يُظهر لبنان عكس هذا المبدأ. الأحزاب السياسية غالباً ما تتمسك بمواقف مثالية (مثل رفض التسوية بين الطوائف)، مما يؤدي إلى شلل سياسي واقتصادي، لأنها لا تركز على ما هو متاح.

 التحديات أمام الفهم العربي لفن الممكن:

 العاطفة السياسية:

الشعارات المثالية مثل "تحرير فلسطين" أو "الوحدة العربية" غالباً ما تهيمن على النقاش العام، مما يصعب قبول التسويات.

 ضعف الثقة:

غياب الثقة بين الأطراف السياسية يجعل التسوية تبدو خيانة وليست حلًا واقعيًا.

 تأثير الإعلام:

وسائل الإعلام أحياناً تعزز المثالية على حساب الواقعية، مما يؤخر الوعي بفن الممكن.

 سيدرك العرب جميعاً أن السياسة هي فن الممكن عندما ينتشر التعليم السياسي، وتتراكم التجارب التي تُظهر فشل المثالية المطلقة، ويتقبل المجتمع التسوية كجزء من الحل. الأمثلة التاريخية مثل كامب ديفيد أو إصلاحات المغرب تُظهر أن هذا الفهم موجود بالفعل في بعض الحالات، لكنه يحتاج إلى تعميم من خلال التعليم والتجربة


صالح بن عبدالله السليمان

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

; أتمنى لكم قراءة ممتعة مفيده
أرحب بكل أرآكم ومقترحاتكم يرجى ذكر الاسم أو الكنية للإجابة - ونأسف لحذف أي تعليق
لا علاقة له بموضوع المقال
لا يلتزم بالأخلاق ااو الذوق العام